للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْخَامِسُ أَنْ لَا يَكُونَ شَدِيدَ الْحِرْصِ عَلَى السُّوقِ وَالتِّجَارَةِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ أَوَّلَ دَاخِلٍ وآخر خارج وبأن يركب البحر في التجارة فهما مكروهان يقال إن من ركب البحر فقد استقصى في طلب الرزق

وفي الخبر لا يركب البحر إلا لحج أو عمرة أو غزو (١)

وكان عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما يقول لا تكن أول داخل في السوق ولا آخر خارج منها فإن بها باض الشيطان وفرخ

روي عن معاذ بن جبل وعبد الله بن عمر إن إبليس يقول لولده زلنبور سر بكتائبك فأت أصحاب الأسواق زين لهم الكذب والحلف والخديعة والمكر والخيانة وكن مع أول داخل وآخر خارج منها

وفي الخبر شر البقاع الأسواق وشر أهلها أولهم دخولاً وآخرهم خروجاً (٢)

وتمام هذا الاحتراز أن يراقب وقت كفايته فإذا حصل كفاية وقته انصرف واشتغل بتجارة الآخرة هكذا كان صالحو السلف فقد كان منهم من إذا ربح دانقاً انصرف قناعة به

وكان حماد بن سلمة يبيع الخز في سفط بين يديه فكان إذا ربح حبتين رفع سفطه وانصرف

وقال إبراهيم بن بشار قلت لإبراهيم بن أدهم رحمه الله أمر اليوم أعمل في الطين فقال يا ابن بشار إنك طالب ومطلوب يطلبك من لا تفوته وتطلب ما قد كفيته أما رأيت حريصاً محروماً وضعيفاً مرزوقاً فقلت إن لي دانقاً عند البقال فقال عز علي بك تملك دانقاً وتطلب العمل وقد كان فيهم من ينصرف بعد الظهر ومنهم بعد العصر ومنهم من لا يعمل في الأسبوع إلا يوماً أو يومين وكانوا يكتفون به

السَّادِسُ أَنْ لَا يَقْتَصِرَ عَلَى اجْتِنَابِ الْحَرَامِ بل يتقي مواقع الشبهات ومظان الريب ولا ينظر إلى الفتاوى بل يستفتي قَلْبَهُ فَإِذَا وَجَدَ فِيهِ حَزَازَةً اجْتَنَبَهُ وَإِذَا حُمِلَ إِلَيْهِ سِلْعَةٌ رَابَهُ أَمْرُهَا سَأَلَ عَنْهَا حتى يعرف وإلا أكل الشبهة وقد حمل إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبن فقال من أين لكم هذا فقالوا من الشاة فقال ومن أين لكم هذه الشاة فقيل من موضع كذا فشرب منه ثم قال إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن لا نأكل إلا طيباً ولا نعمل إلا صالحاً (٣)

وقال إن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} (٤) أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة (٥) حديث كان لا يسأل عن كل ما يحمل إليه رواه أحمد من حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مروا بامرأة فذبحت لهم شاة الحديث فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم لقمة فلم يستطع أن يسيغها فقال هذه شاة ذبحت بغير إذن أهلهاالحديث وله من حديث أبي هريرة كان إذا أتى بطعام من غير أهله سأل عنهالحديث وإسنادهما جيد وفي هذا أنه كان لا يسأل عما أتي به من عند أهله والله أعلم //

وإنما الواجب أن ينظر التاجر إلى من يعامله فكل مَنْسُوبٍ إِلَى ظُلْمٍ أَوْ خِيَانَةٍ أَوْ سَرِقَةٍ أو ربا فلا يعامله وكذا الأجناد والظلمة لا يعاملهم البتة ولا يعامل أصحابهم وأعوانهم لأنه معين بذلك على الظلم

وحكي عن رجل أنه تولى عمارة سور لثغر من الثغور

قال فوقع في نفسي من ذلك شيء وإن كان ذلك العمل من الخيرات بل من فرائض الإسلام ولكن كان الأمير الذي تولى في محلته من الظلمة

قال فسألت سفيان رضي الله


(١) حديث لا تركب البحر إلا لحجة أو عمرة أو غزو أخرجه أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو وقيل إنه منقطع
(٢) حديث شر البقاع الأسواق وشر أهلها أولهم دخولاً وآخرهم خروجا تقدم صدر الحديث في الباب السادس من العلم وروى أبو نعيم في كتاب حرمة المساجد من حديث ابن عباس أبغض البقاع إلى الله الأسواق وأبغض أهلها إلى الله أولهم دخولاً وآخرهم خروجاً
(٣) حديث سؤاله عن اللبن والشاة وقوله إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن لا نأكل إلا طيباً ولا نعمل إلا صالحا رواه الطبراني من حديث أم عبد الله أخت شداد بن أوس بسند ضعيف
(٤) حديث إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين الحديث
(٥) فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أصل الشيء وأصل أصله ولم يزد لأن ما وراء ذلك يتعذر
وسنبين في كتاب الحلال والحرام موضع وجوب هذا السؤال فإنه كان صلى الله عليه وسلم لا يسأل عن كل ما يحمل إليه

<<  <  ج: ص:  >  >>