للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنه فقال لا تكن عوناً لهم على قليل ولا كثير فقلت هذا سور في سبيل الله للمسلمين فقال نعم ولكن أقل ما يدخل عليك أن تحب بقاءهم ليوفوك أجرك فتكون قد أحببت بقاء من يعصي الله

وقد جاء في الخبر من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصي الله في أرضه (١)

وفي الحديث إن الله ليغضب إذا مدح الفاسق (٢)

وفي حديث آخر من أكرم فاسقاً فقد أعان على هدم الإسلام (٣)

ودخل سفيان على المهدي وبيده درج أبيض فقال يا سفيان أعطني الدواة حتى أكتب فقال أخبرني أي شيء تكتب فإن كان حقاً أعطيتك

وطلب بعض الأمراء من بعض العلماء المحبوسين عنده أن يناوله طيناً ليختم به الكتاب فقال ناولني الكتاب أولاً حتى أنظر ما فيه فهكذا كانوا يحترزون عن معاونة الظلمة ومعاملتهم أشد أنواع الإعانة فينبغي أن يجتنبها ذوو الدين ما وجدوا إليه سبيلاً

وبالجملة فينبغي أن ينقسم الناس عنده إلى من يعامل ومن لا يعامل وليكن من يعامله أقل ممن لا يعامله في هذا الزمان قال بعضهم أتى على الناس زمان كان الرجل يدخل السوق ويقول من ترون لي أن أعامل من الناس فيقال له عامل من شئت

ثم أتى زمان آخر كانوا يقولون عامل من شئت إلا فلاناً وفلاناً ثم أتى زمان آخر فكان يقال لا تعامل أحداً إلا فلاناً وفلانا وأخشى أن يأتي زمان يذهب هذا أيضاً

وكأنه قد كان الذي كان يحذر أن يكون إنا لله وإنا إليه راجعون

السَّابِعُ يَنْبَغِي أَنْ يُرَاقِبَ جَمِيعَ مَجَارِيَ مُعَامَلَتِهِ مع وَاحِدٍ مِنْ مُعَامِلِيهِ فَإِنَّهُ مُرَاقَبٌ وَمُحَاسَبٌ فَلْيَعُدَّ الجواب ليوم الحساب والعقاب في كل فعلة وقولة إنه لم أقدم عليها ولأجل ماذا فإنه يقال إنه يوقف التاجر يوم القيامة مع كل رجل كان باعه شيئاً وقفة ويحاسب عن كل واحد فهو محاسب على عدد من عامله

قال بعضهم رأيت بعض التجار في النوم فقلت ماذا فعل الله بك فقال نشر علي خمسين ألف صحيفة فقلت هذه كلها ذنوب فقال هذه معاملات الناس بعدد كل إنسان عاملته في الدنيا لكل إنسان صحيفة مفردة فيما بيني وبينه من أول معاملته إلى آخرها فهذا ما على المكتسب في عمله من العدل والإحسان والشفقة على الدين فإن اقتصر على العدل كان من الصالحين وإن أضاف إليه الإحسان كان من المقربين وإن راعى مع ذلك وظائف الدين كما ذكر في الباب الخامس كان من الصديقين والله أعلم بالصواب

تم كتاب الكسب والمعيشة بحمد الله ومنه


(١) حديث من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصي الله في أرضه لم أجده مرفوعا وإنما رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الصمت من قول الحسن وقد ذكره المصنف هكذا على الصواب في آفات اللسان
(٢) حديث إن الله ليغضب إذا مدح الفاسق أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت وابن عدي في الكامل وأبو يعلى والبيهقي في الشعب من حديث أنس بسند ضعيف
(٣) حديث من أكرم فاسقاً فقد أعان على هدم الإسلام غريب بهذا اللفظ والمعروف من وقر صاحب بدعة الحديث رواه ابن عدي من حديث عائشة والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الحلية من حديث عبد الله بن يسر بأسانيد ضعيفة قال ابن الجوزي كلها موضوعة

<<  <  ج: ص:  >  >>