ابن عبد العزيز لأبي حازم عظني فقال اضطجع ثم اجعل الموت عند رأسك ثم انظر إلى ما تحب أن يكون فيك تلك الساعة فخذ به الآن وما تكره أن يكون فيك تلك الساعة فدعه الآن فلعل تلك الساعة قريبة
ودخل أعرابي على سليمان بن عبد الملك فقال تكلم يا أعرابي فقال يا أمير المؤمنين إني مكلمك بكلام فاحتمله وإن كرهته فإن وراءه ما تحب إن قبلته فقال يا أعرابي إنا لنجود بسعة الاحتمال على من لا نرجو نصحه ولا تأمن غشه فكيف بمن نأمن غشه ونرجو نصحه فقال الأعرابي يا أمير المؤمنين إنه قد تكنفك رجال اساءوا الاختيار لأنفسهم وابتاعوا دنياهم بدينهم ورضاك بسخط ربهم خافوك في الله تعالى ولم يخافوا الله فيك حرب الآخرة سلم الدنيا فلا تأتمنهم على ما ائتمنك الله تعالى عليه فإنهم لم يألوا في الأمانة تضييعاً وفي الأمة خسفاً وعسفاً وأنت مسؤل عما اجترحوا وليسوا بمسؤولين عما اجترحت فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك فإن أعظم الناس غبناً من باع آخرته بدنيا غيره فقال له سليمان يا أعرابي أما إنك قد سللت لسانك وهو أقطع سيفيك قال أجل يا أمير المؤمنين ولكن لك لا عليك
وحكي أن أبا بكرة دخل على معاوية فقال اتق الله يا معاوية واعلم أنك في كل يوم يخرج عنك وفي كل ليلة تأتي عليك لا تزداد من الدنيا إلا بعداً ومن الآخرة إلا قرباً وعلى أثرك طالب لا تفوته وقد نصب لك علماً لا تجوزه فما أسرع ما تبلغ العلم وما أوشك ما يلحق بك الطالب وإنا وما نحن فيه زائل وفي الذي نحن إليه صائرون باق إن خيراً فخير وإن شراً فشر
فهكذا كان دخول أهل العلم على السلاطين أعني علماء الآخرة فأما علماء الدنيا فيدخلون ليتقربوا إلى قلوبهم فيدلونهم على الرخص ويستنبطون لهم بدقائق الحيل طرق السعة فيما يوافق أغراضهم
وإن تكلموا بمثل ما ذكرناه في معرض الوعظ لم يكن قصدهم الإصلاح بل اكتساب الجاه والقبول عندهم
وفي هذا غروران يغتر بهم الحمقى أحدهما أن يظهر أن قصدي في الدخول عليهم إصلاحهم بالوعظ
وربما يلبسون على انفسهم بذلك وإنما الباعث لهم شهوة خفية للشهرة وتحصيل المعرفة عندهم وعلامة الصدق في طلب الإصلاح انه لو تولى ذلك الوعظ غيره ممن هو من أقرانه في العلم ووقع موقع القبول وظهر به أثر الصلاح فينبغي أن يفرح به ويشكر الله تعالى على كفايته هذا المهم كمن وجب عليه أن يعالج مريضا ضائعا فقام بمعاجلته غيره فإنه يعظم به فرحه
فإن كان يصادف في قلبه ترجيحاً لكلامه على كلام غيره فهو مغرور الثاني أن يزعم أني أقصد الشفاعة لمسلم في دفع ظلامة
وهذا أيضاً مظنة الغرور ومعياره ما تقدم ذكره
وإذا ظهر طريق الدخول عليهم فلنرسم في الأحوال العارضة في مخالطة السلاطين ومباشرة أموالهم مسائل
مسألة إذا بعث إليك السلطان مالاً لتفرقه على الفقراء فإن كان له مالك معين فلا يحل أخذه وإن لم يكن بل كان حكمه انه يحب التصدق به على المساكين كما سبق فلك أن تأخذه وتتولى التفرقة ولا تعصى بأخذه ولكن من العلماء من امتنع عنه فعند هذا ينظر في الأولى فنقول
الأولى أن تأخذه إن أمنت ثلاث غوائل
الغائلة الأولى أن يظن السلطان بسبب أخذك أن ماله طيب ولولا أنه طيب لما كنت تمد يدك إليه ولا تدخله في ضمانك فإن كان كذلك فلا تأخذه فإن ذلك محذور ولا يفي الخير في مباشرتك التفرقة بما يحصل لك من الجراءة على كسب الحرام
الغائلة الثانية أن ينظر إليك غيرك من العلماء والجهال فيعتقدون أنه حلال فيقتدون بك في الأخذ ويستدلون به