للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السلام عليك قلت وعليك

والأولى الكف عن مخالطته ومعاملته ومواكلته وأما الانبساط معه والاسترسال إليه كما يسترسل إلى الأصدقاء فهو مكروه كراهة شديدة يكاد ينتهي ما يقوى منها إلى حد التحريم قال تعالى {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم} الآية وقال صلى الله عليه وسلم المسلم والمشرك لا تتراءى ناراهما (١)

وقال عز وجل {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} الآية

الثاني المبتدع الذي يدعو إلى بدعته

فإن كانت البدعة بحيث يكفر بها فأمره أشد من الذمي لأنه لا يقر بجزية ولا يسامح بعقد ذمة وإن كان ممن لا يكفر به فأمره بينه وبين الله أخف من أمر الكافر لا محالة ولكن الأمر في الإنكار عليه أشد منه على الكافر لأن شر الكافر غير متعد فإن المسلمين اعتقدوا كفره فلا يلتفتون إلى قوله إذ لا يدعي لنفسه الإسلام واعتقاد الحق

أما المبتدع الذي يدعوا إلا البدعة ويزعم أن ما يدعو إليه حق فهو سبب لغواية الخلق فشره متعد فالاستحباب في إظهار بغضه ومعاداته والانقطاع عنه وتحقيره والتشنيع عليه ببدعته وتنفير الناس عنه أشد وإن سلم في خلوة فلا بأس برد جوابه وإن علمت أن الإعراض عنه والسكوت عن جوابه يقبح في نفسه بدعته ويؤثر في زجره فترك الجواب أولى لأن جواب الإسلام وإن كان واجباً فيسقط بأذني غرض فيه مصلحة حتى يسقط بكون الإنسان في الحمام أو في قضاء حاجته وغرض الزجر أهم من هذه الأغراض وإن كان في ملأ فترك الجواب أول تنفيراً للناس عنه وتقبيحاً لبدعته في أعينهم وكذلك الأولى كف الإحسان إليه والإعانة له لا سيما فيما يظهر للخلق قال عليه السلام من انتهر صاحب بدعة ملأ الله قلبه أمناً وإيماناً ومن أهان صاحب بدعة أمنه الله يوم الفزع الأكبر من ألان له وأكرمه أو لقيه ببشر فقد استخف بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم (٢)

الثالث المبتدع العامي الذي لا يقدر على الدعوة ولا يخاف الاقتداء به فأمره أهون فالأولى أن لا يقابح بالتغليظ والإهانة بل يتلطف به في النصح فإن قلوب العوام سريعة التقلب فإن لم ينفع النصح وكان في الإعراض عنه تقبيح لبدعته في عينه تأكد الاستحباب في الإعراض وإن علم أن ذلك لا يؤثر فيه لجمود طبعه ورسوخ عقده في قلبه فالإعراض أولى لأن البدعة إذا لم يبالغ في تقبيحها شاعت بين الخلق وعم فسادها

وأما العاصي بفعله وعمله لا باعتقاده فلا يخلو إما أن يكون بحيث يتأذى به غيره كالظلم والغضب وشهادة الزور والغيبة والتضريب بين الناس والمشي بالنميمة وأمثالها

أو كان مما لا يقتصر عليه ويؤذي غيره وذلك ينقسم إلى ما يدعو غيره إلى الفساد كصاحب الماخور الذي يجمع بين الرجال والنساء ويهيء أسباب الشرب والفساد لأهل الفساد أو لا يدعو غيره إلى فعله كالذي يشرب ويزني وهذا الذي لا يدعو غيره إما أن يكون عصيانه بكبيرة أو بصغيرة وكل واحد فإما أن يكون مصراً عليه أو غير مصر فهذه التقسيمات يتحصل منها ثلاثة أقسام ولكل قسم منها رتبة وبعضها أشد من بعض ولا نسلك بالكل مسلكاً واحداً

القسم الأول وهو أشدها ما يتضرر به الناس كالظلم والغصب وشهادة الزور والغيبة والنميمة فهؤلاء الأولى الإعراض عنهم وترك مخالطتهم والانقباض عن معاملتهم لأن المعصية شديدة فيما يرجع إلى إيذاء الخلق

ثم هؤلاء


(١) حديث المؤمن والمشرك لا تتراءى ناراهما رواه أبو داود والترمذي من حديث جرير أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين قالوا يا رسول الله ولم قال لا تراءى ناراهما رواه النسائي مرسلا وقال البخاري الصحيح أنه مرسل
(٢) حديث من انتهر صاحب بدعة ملأ الله قلبه أمناً وإيمانا الحديث أخرجه أبو نعيم في الحلية والهروي في ذم الكلام من حديث ابن عمر بسند ضعيف

<<  <  ج: ص:  >  >>