للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينقسمون إلى من يظلم في الدماء وإلى من يظلم في الأموال وإلى من يظلم في الأعراض وبعضها أشد من بعض فالاستحباب في إهانتهم والإعراض عنهم مؤكد جداً ومهما كان يتوقع من الإهانة زجراً لهم أو لغيرهم كان الأمر فيه آكد وأشد

الثاني صاحب الماخور الذي يهيء أسباب الفساد ويسهل طرقه على الخلق فهذا لا يؤذي الخلق في دنياهم ولكن يختلس بفعله دينهم وإن كان وفق رضاهم فهو قريب من الأول ولكنه أخف منه فإن المعصية بين العبد وبين الله تعالى إلى العفو أقرب ولكن من حيث إنه متعد على الجملة إلى غيره فهو شديد وهذا أيضاً يقتضي الإهانة والإعراض والمقاطعة وترك جواب السلام إذا ظن أن فيه نوعاً من الزجر له أو لغيره

الثالث الذي يفسق في نفسه بشرب خمر أو ترك واجب أو مقارفة محظور يخصه فالأمر فيه أخف ولكنه في وقت مباشرته إن صودف يجب منعه بما يمتنع به منه ولو بالضرب والاستخفاف فإن النهي عن المنكر واجب وإذا فرغ منه وعلم أن ذلك من عادته وهو مصر عليه فإن تحقق أن نصحه يمنعه عن العود إليه وجب النصح وإن لم يتحقق ولكنه كان يرجو فالأفضل النصح والزجر بالتلطف أو بالتغليظ إن كان هو الأنفع فأما الإعراض عن جواب سلامه والكف عن مخالطته حيث يعلم أنه يصر وأن النصح ليس ينفعه فهذا فيه نظر وسير العلماء فيه مختلفة والصحيح أن ذلك يختلف باختلاف نية الرجل فعند هذا يقال الأعمال بالنيات إذ في الرفق والنظر بعين الرحمة إلى الخلق نوع من التواضع وفي العنف والإعراض نوع من الزجر والمستفتى فيه القلب فما يراه أميل إلى هواه ومقتضى طبعه فالأولى ضده إذ قد يكون استخفافه وعنفه عن كبر وعجب والتذاذ بإظهار العلو والإدلال بالصلاح وقد يكون رفقه عن مداهنة واستمالة قلب للوصول به إلى غرض أو الخوف من تأثير وحشته ونفرته في جاه أو مال بظن قريب أو بعيد وكل ذلك مردد على إشارات الشيطان وبعيد عن أعمال أهل الآخرة وكل راغب في أعمال الدين مجتهد مع نفسه في التفتيش عن هذه الدقائق ومراقبة هذه الأحوال والقلب هو المفتى فيه وقد يصيب الحق في اجتهاده وقد يخطيء وقد يقدم على اتباع هواه وهو عالم به وقد يقدم وهو بحكم الغرور ظان أنه عامل لله وسالك طريق الآخرة

وسيأتي بيان هذه الدقائق في كتاب الغرور من ربع المهلكات

ويدل على تخفيف الأمر في الفسق القاصر الذي هو بين العبد وبين الله ما روي أن شارب خمر ضرب بين يدي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يعود فقال واحد من الصحابة

لعنه الله ما أكثر ما يشرب فقال صلى الله عليه وسلم لا تكن عوناً للشيطان على أخيك (١)

أو لفظاً هذا معناه وكأن هذا إشارة إلى أن الرفق أولى من العنف والتغليظ

بيان الصِّفَاتُ الْمَشْرُوطَةُ فِيمَنْ تَخْتَارُ صُحْبَتَهُ

اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلصُّحْبَةِ كُلُّ إِنْسَانٍ

قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ (٢)

وَلَا بُدَّ أَنْ يَتَمَيَّزَ بِخِصَالٍ وَصِفَاتٍ يَرْغَبُ بِسَبَبِهَا فِي صُحْبَتِهِ وتشترط تلك الخصال بحسب الفوائد المطلوبة من الصحبة إذ معنى الشرط مالا بد منه للوصول إلى المقصود فبالإضافة إلى المقصود تظهر الشروط

ويطلب من الصحبة فوائد دينية ودنيوية أما الدنيوية فكالانتفاع بالمال أو الجاه أو مجرد الاستئناس بالمشاهدة والمجاورة وليس ذلك من أغراضنا

وأما الدينية فيجتمع فيها أيضاً أغراض مختلفة إذ منها الاستفادة من العلم والعمل ومنها الاستفادة من الجاه تحصناً به عن إيذاء من يشوش القلب ويصد عن العبادة ومنها استفادة المال للاكتفاء به عن تضييع الأوقات


(١) حديث أن شارب خمر ضرب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم الحديث وفيه لا تكن عوناً للشيطان على أخيك أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة
(٢) حديث المرء على دين خليله الحديث أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه والحاكم من حديث أبي هريرة وقال صحيح أن شاء الله

<<  <  ج: ص:  >  >>