للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرابة تحتاج إلى مودة والمودة لا تحتاج إلى قرابة وقال جعفر الصادق رضي الله عنه مودة يوم صلة ومودة شهر قرابة ومودة سنة رحم مائية من قطعها قطعه الله

فإذن الوفاء بعقد الأخوة إذا سبق انعقادها واجب

وهذا جوابنا عن ابتداء المؤاخاة مع الفاسق فإنه لم يتقدم له حق فإن تقدمت له قرابة فلا جرم لا ينبغي أن يقاطع بل يجامل

والدليل عليه أن ترك المؤاخاة والصحبة ابتداء ليس مذموماً ولا مكروهاً بل قال قائلون الانفراد أولى فأما قطع الأخوة عن دوامها فمنهي عنه ومذموم في نفسه ونسبته إلى تركها ابتداء كنسبة الطلاق إلى ترك النكاح والطلاق أبغض إلى الله تعالى من ترك النكاح قال صلى الله عليه وسلم شرار عباد الله المشاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبة (١)

وقال بعض السلف في ستر زلات الإخوان ود الشيطان أن يلقى على أخيكم مثل هذا حتى تهجروه وتقطعوه فماذا اتقيتم من محبة عدوكم

وهذا لأن التفريق بين الأحباب من محاب الشيطان كما أن مقارفة العصيان من محابه فإذا حصل للشيطان أحد غرضيه فلا ينبغي أن يضاف إليه الثاني وإلى هذا أشار عليه السلام في الذي شتم الرجل الذي أتى فاحشة إذ قال مه وزبره وقال لا تكونوا عوناً للشيطان على أخيكم (٢)

فبهذا كله يتبين الفرق بين الدوام والابتداء لأن مخالطة الفساق محذورة ومفارقة الأحباب والإخوان أيضاً محذورة وليس من سلم عن معارضة غيره كالذي لم يسلم وفي الابتداء قد سلم فرأينا أن المهاجرة والتباعد هو الأولى وفي الدوام تعارضاً فكان الوفاء بحق الأخوة أولى هذا كله في زلته في دينه

أما زَلَّتُهُ فِي حَقِّهِ بِمَا يُوجِبُ إِيحَاشَهُ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْأَوْلَى الْعَفْوُ وَالِاحْتِمَالُ بَلْ كل مَا يَحْتَمِلُ تَنْزِيلُهُ عَلَى وَجْهٍ حَسَنٍ وَيُتَصَوَّرُ تَمْهِيدُ عُذْرٍ فِيهِ قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ فَهُوَ وَاجِبٌ بِحَقِّ الْأُخُوَّةِ فَقَدْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ تَسْتَنْبِطَ لِزَلَّةِ أَخِيكَ سَبْعِينَ عُذْرًا فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهُ قَلْبُكَ فَرُدَّ اللَّوْمَ عَلَى نَفْسِكَ فَتَقُولُ لِقَلْبِكَ مَا أَقْسَاكَ يَعْتَذِرُ إِلَيْكَ أَخُوكَ سَبْعِينَ عُذْرًا فَلَا تَقْبَلُهُ فَأَنْتَ الْمَعِيبُ لَا أَخُوكَ فإن ظهر بحيث لم يقبل التحسين فينبغي أن لا تغضب إن قدرت ولكن ذلك لا يمكن وقد قال الشافعي رحمه الله من استغضب فلم يغضب فهو حمار ومن استرضى فلم يرضى فهو شيطان

فلا تكن حماراً ولا شيطاناً واسترض قلبك بنفسك نيابة عن أخيك واحترز أن تكون شيطاناً إن لم تقبل

قال الْأَحْنَفُ حَقُّ الصَّدِيقِ أَنْ تَحْتَمِلَ مِنْهُ ثَلَاثًا ظلم الغضب وظلم الدالة وظلم الهفوة

وقال آخر ما شتمت أحداً قط لأنه إن شتمني كريم فأنا أحق من غفرها له أو لئيم فلا أجعل عرضي له غرضاً ثم تمثل وقال

وأغفر عوراء الكريم ادخاره ... وأعرض عن شتم اللئيم تكرما

وقد قيل

خذ من خليلك ما صفا ... ودع الذي فيه الكدر

فالعمر أقصر من معا ... تبة الخليل على الغير

وَمَهْمَا اعْتَذَرَ إِلَيْكَ أَخُوكَ كَاذِبًا كَانَ أَوْ صادقاً فاقبل عذره

قال عليه السلام من اعتذر إليه أخوه فلم يقبل عذره فعليه مثل إثم صاحب المكس (٣)

وقال عليه السلام المؤمن سريع الغضب سريع الرضا (٤)

فلم يصفه بأنه


(١) حديث شرار عباد الله المشاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبة رواه احمد من حديث أسماء بنت يزيد بسند ضعيف
(٢) حديث لا تكونوا أعوانا للشيطان على أخيكم رواه البخاري من حديث أبي هريرة وتقدم في الباب قبله
(٣) حديث من اعتذر إليه أخوه فلم يقبل عذره فعليه مثل إثم صاحب المكس أخرجه ابن ماجه وأبو دواد في المراسيل من حديث جودان واختلف في صحبته وجهله أبو حاتم وباقي رجاله ثقات ورواه الطبراني في الأوسط من حديث جابر بسند ضعيف
(٤) حديث المؤمن سريع الغضب سريع الرضا لم أجده هكذا وللترمذي وحسنه من حديث أبي سعيد الخدري ألا إن بني آدم خلقوا على طبقات شتى الحديث وفيه ومنهم سريع الفيء فتلك بتلك

<<  <  ج: ص:  >  >>