للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى لا يستحي منه فيما لا يستحي من نفسه

وقال الجنيد ما تواخى اثنان في الله فاستوحش أحدهما من صاحبه أو احتشم إلا لعلة في أحدهما

وقال علي عليه السلام شر الأصدقاء من تَكَلَّفَ لَكَ وَمَنْ أَحْوَجَكَ إِلَى مُدَارَاةٍ وَأَلْجَأَكَ إلى اعتذار

وقال الفضيل إِنَّمَا تَقَاطَعَ النَّاسُ بِالتَّكَلُّفِ يَزُورُ أَحَدُهُمْ أَخَاهُ فيتكلف له فيقطعه ذلك عنه

وقالت عائشة رضي الله عنها المؤمن أخو المؤمن لا يغتنمه ولا يحتشمه

وقال الجنيد صبحت أربع طبقات من هذه الطائفة كل طبقة ثلاثون رجلاً حارثاً المحاسبي وطبقته وحسناً المسوحي وطبقته وسرياً السقطي وطبقته وابن الكريبي وطبقته فما تواخى اثنان في الله واحتشم أحدهما من صاحبه أو استوحش إلا لعلة في أحدهما

وقيل لبعضهم من نصحب قال من يرفع عنك ثقل التكلف وتسقط بينك وبينه مؤنة التحفظ

وَكَانَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ أَثْقَلُ إِخْوَانِي عَلَيَّ مَنْ يَتَكَلَّفُ لي وَأَتَحَفَّظُ مِنْهُ وَأَخَفُّهُمْ عَلَى قَلْبِي مَنْ أَكُونَ معه كما أكون وحدي

وقال بعض الصوفية لا تعاشر من الناس إلا من لا تزيد عنده ببر ولا تنقص عنده بإثم يكون ذلك لك وعليك وأنت عنده سواء وإنما قال هذا لأن به يتخلص عن التكلف والتحفظ

وإلا فالطبع يحمله على أن يتحفظ منه إذا علم أن ذلك ينقصه عنده

وقال بعضهم كن مع أبناء الدنيا بالأدب ومع أبناء الآخرة بالعلم ومع العارفين كيف شئت وقال آخر لا تصحب إلا من يتوب عنك إذا أذنبت يعتذر إليك إذا أسأت ويحمل مؤنة نفسك ويكفيك مؤنة نفسه

وقائل هذا قد ضيق طريق الأخوة على الناس وليس الأمر كذلك بل ينبغي أن يواخى كل متدين عاقل ويعزم على أن يقوم بهذه الشرائط ولا يكلف غيره هذه الشروط حتى تكثر إخوانه إذ به يكون مواخيا في الله وإلا كانت مواخاته لحظوظ نفسه فقط

ولذلك قال رجل للجنيد قد عز الإخوان في هذا الزمان أين أخ لي في الله فأعرض الجنيد حتى أعاده ثلاثاً فلما أكثر قال له الجنيد إن أردت أخاً يكفيك مؤنتك ويحتمل أذاك فهذا لعمري قليل وإن أردت أخاً في الله تحمل أنت مؤنته وتصبر على أذاه فعندي جماعة أعرفهم لك

فسكت الرجل

واعلم أن الناس ثلاثة رجل تنتفع بصحبته ورجل تقدر على أن تنفعه ولا تضرر به ولكن لا تنتفع به

ورجل لا تقدر أيضاً على أن تنفعه وتضرر به وهو الأحمق أو السيء الخلق فهذا الثالث ينبغي أن تتجنبه فأما الثاني فلا تجتنبه لأنك تنتفع في الآخرة بشفاعته وبدعائه وبثوابك على القيام به وقد أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام أن أطعتني فما أكثر إخوانك أي إن واسيتهم واحتملت منهم ولم تحسدهم وقد قال بعضهم صحبت الناس خمسين سنة فما وقع بيني وبينهم خلاف فإني كنت معهم على نفسي ومن كانت هذه شيمته كثر إخوانه

وَمِنَ التَّخْفِيفِ وَتَرْكِ التَّكَلُّفِ أَنْ لَا يَعْتَرِضَ فِي نَوَافِلِ الْعِبَادَاتِ

كَانَ طَائِفَةٌ مِنَ الصُّوفِيَّةِ يصطحبون على شرط المساواة بين أربع معان إن أكل أحدهم النَّهَارَ كُلَّهُ لَمْ يَقُلْ لَهُ صَاحِبُهُ صُمْ وَإِنْ صَامَ الدَّهْرَ كُلَّهُ لَمْ يَقُلْ لَهُ أَفْطِرْ وَإِنْ نَامَ اللَّيْلَ كُلَّهُ لَمْ يَقُلْ لَهُ قُمْ وَإِنْ صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ لَمْ يَقُلْ لَهُ نَمْ وَتَسْتَوِي حَالَاتُهُ عِنْدَهُ بِلَا مزيد ولا نقصان لأن ذلك إن تفاوت حرك الطبع إلى الرياء والتحفظ لا محالة

وَقَدْ قِيلَ مَنْ سَقَطَتْ كُلْفَتُهُ دَامَتْ أُلْفَتُهُ من خفت مؤنته دامت مودته

وقال بعض الصحابة إن الله لعن المتكلفين وقال صلى الله عليه وسلم أنا والأتقياء من أمتي براء من التكلف (١)

وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِذَا عَمِلَ الرَّجُلُ فِي بَيْتِ أَخِيهِ أَرْبَعَ خِصَالٍ فَقَدْ تَمَّ أُنْسُهُ بِهِ (٢)

إِذَا أَكَلَ عِنْدَهُ وَدَخَلَ الْخَلَاءَ وَصَلَّى وَنَامَ

فَذُكِرَ ذَلِكَ لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ فَقَالَ بَقِيَتْ خَامِسَةٌ وَهُوَ أَنْ يَحْضُرَ مَعَ الْأَهْلِ فِي بَيْتِ أخيه ويجامعها لأن البيت يتخذ للاستخفاء في الأمور الخمس


(١) حديث أنا وأمتي برآء من التكلف أخرجه الدارقطني في الأفراد من حديث الزبير بن العوام ألا إني بريء من التكلف وصالحو أمتي وإسناده ضعيف
(٢) حديث إذا صنع الرَّجُلُ فِي بَيْتِ أَخِيهِ أَرْبَعَ خِصَالٍ فَقَدْ تم أنسه الحديث لم أجد له أصلا

<<  <  ج: ص:  >  >>