للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السفيه ويسقط المنزلة عند الحكيم ويمقته المتقون وهو يميت القلب ويباعد عن الرب تعالى ويكسب الغفلة ويورث الذلة وبه تظلم السرائر وتموت الخواطر وبه تكثر العيوب وتبين الذنوب

وقد قيل لا يكون المزاح إلا من سخف أو بطر

وَمَنْ بُلِيَ فِي مَجْلِسٍ بِمِزَاحٍ أَوْ لَغَطٍ فليذكر الله عند قِيَامِهِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من جلس في مجلس فكثر به لَغَطُهُ فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ إِلَّا غفر له ما كان في مجلسه ذلك (١)

الباب الثالث في حق المسلم والرحم والجوار والملك وكيفية المعاشرة مع

من يدلي بهذه الأسباب

اعلم أن الإنسان إما أن يكون وحده أو مع غيره وإذا تعذر عيش الإنسان إلا بمخالطة مَنْ هُوَ مِنْ جِنْسِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ تَعَلُّمِ آدَابِ الْمُخَالَطَةِ

وَكُلُّ مُخَالِطٍ فَفِي مُخَالَطَتِهِ أَدَبٌ وَالْأَدَبُ عَلَى قَدْرِ حَقِّهِ وحقه على قدر رابطته التي بها وقعت المخالطة

والرابطة إِمَّا الْقَرَابَةُ وَهِيَ أَخَصُّهَا أَوْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَهِيَ أَعَمُّهَا وَيَنْطَوِي فِي مَعْنَى الْأُخُوَّةِ الصَّدَاقَةُ وَالصُّحْبَةُ وَإِمَّا الْجِوَارُ وَإِمَّا صُحْبَةُ السَّفَرِ وَالْمَكْتَبِ والدرس وإما الصداقة أَوِ الْأُخُوَّةِ

وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الرَّوَابِطِ دَرَجَاتٌ

فَالْقَرَابَةُ لَهَا حَقٌّ وَلَكِنَّ حَقَّ الرَّحِمِ الْمُحَرَّمِ آكَدُ وَلِلْمَحْرَمِ حَقٌّ وَلَكِنَّ حَقَّ الْوَالِدَيْنِ آكَدُ

وَكَذَلِكَ حَقُّ الْجَارِ وَلَكِنْ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ قُرْبِهِ مِنَ الدَّارِ وَبُعْدِهِ وَيَظْهَرُ التَّفَاوُتُ عِنْدَ النِّسْبَةِ حَتَّى إِنَّ الْبَلَدِيَّ فِي بِلَادِ الْغُرْبَةِ يَجْرِي مَجْرَى الْقَرِيبِ فِي الْوَطَنِ لِاخْتِصَاصِهِ بِحَقِّ الْجِوَارِ فِي الْبَلَدِ

وَكَذَلِكَ حَقُّ الْمُسْلِمِ يَتَأَكَّدُ بتأكد المعرفة

وللمعارف درجات فليس حق الذي عرف بالمشاهدة كحق الذي عرف بالسماع بل آكد منه والمعرفة بعد وقوعها تتأكد بالاختلاط

وكذلك الصحبة تتفاوت درجاتها فحق الصحبة في الدرس والمكتب آكد من حق صحبة السفر

وكذلك الصداقة تتفاوت فإنها إذا قويت صارت أخوة فإن ازدادت صارت محبة فإن ازدادت صارت خلة والخليل أقرب من الحبيب فالمحبة ما تتمكن من حبة القلب والخلة ما تتخلل سر القلب فكل خليل حبيب وليس كل حبيب خليلاً وتفاوت درجات الصداقة لا يخفى بحكم المشاهدة والتجربة فأما كون الخلة فوق الأخوة فمعناه أن لفظ الخلة عبارة عن حالة هي أتم من الأخوة وتعرفه من قوله صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن صاحبكم خليل الله (٢)

إذا الخليل هو الذي يتخلل الحب جميع أجزاء قلبه ظاهراً وباطناً ويستوعبه ولم يستوعب قلبه عليه السلام سوى حب الله وقد منعته الخلة عن الاشتراك فيه مع أنه اتخذ علياً رضي الله عنه أخاً فقال علي مني بمنزلة هرون من موسى إلا النبوة (٣)

فعدل بعلي عن النبوة كما عدل بأبي بكر عن الخلة فشارك أبو بكر علياً رضي الله عنهما في الأخوة وزاد عليه بمقاربة الخلة وأهليته لها لو كان للشركة في الخلة مجال فإنه نبه عليه بقوله لاتخذت أبا بكر خليلاً وكان صلى الله عليه وسلم حبيب الله وخليله وقد روي أنه صعد المنبر يوماً مستبشراً فرحاً فقال إن الله قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً فأنا حبيب الله وأنا خليل الله تعالى (٤)

فإذن ليس قبل


(١) حديث مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ سبحانك اللهم وبحمدك الحديث أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة وصححه
(٢) حديث لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً الحديث متفق عليه من حديث أبي سعيد أبي سعيد الخدري
(٣) حديث علي مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة متفق عليه من حديث سعد بن أبي وقاص
(٤) حديث أن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلا الحديث أخرجه الطبراني من حديث أبي أمامة بسند ضعيف دون قوله فأنا حبيب الله وأنا خليل الله

<<  <  ج: ص:  >  >>