للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا هجرهم وإنما الكلام في مخالطة المسلمين وما فيها من البركة لما روي أنه قيل يا رسول الله الوضوء من جر مخمر أحب إليك أو من هذه المطاهر التي يتطهر منها الناس فقال بل من هذه المطاهر التماساً لبركة أيدي المسلمين (١)

وروي أنه صلى الله عليه وسلم لما طاف بالبيت عدل الى زمزم ليشرب منها فإذا التمر المنقع في حياض الأدم وقد مغثه الناس بأيديهم وهم يتناولون منه ويشربون فاستسقى منه وقال أسقوني فقال العباس إن هذا النبيذ شراب قد مغث وخيض بالأيدي أفلا آتيك بشراب أنظف من هذا من جر مخمر في البيت فقال أسقوني من هذا الذي يشرب منه الناس ألتمس بركة أيدي المسلمين فشرب منه (٢)

فإذن كيف يستدل باعتزال الكفار والأصنام على اعتزال المسلمين مع كثرة البركة فيهم

واحتجوا أيضاً بقول موسى عليه السلام {وإن لم تؤمنوا لى فاعتزلون} وأنه فزع إلى العزلة عند اليأس منهم وقال تعالى في أصحاب الكهف وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته أمرهم بالعزلة

وقد اعتزل نبينا صلى الله عليه وسلم قريشاً لما آذوه وجفوه ودخل الشعب وامر أصحابه باعتزالهم والهجرة الى أرض الحبشة (٣) ثم تلاحقوا به الى المدينة بعد أن أعلى الله كلمته وهذا أيضاً اعتزال عن الكفار بعد اليأس منهم فإنه صلى الله عليه وسلم لم يعتزل المسلمين ولا من توقع إسلامه من الكفار وأهل الكهف لم يعتزل بعضهم بعضاً وهم مؤمنون وإنما اعتزلوا الكفار وإنما النظر في العزلة من المسلمين

واحتجوا بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عامر الجهني لما قال يا رسول الله ما النجاة قال ليسعك بيتك وأمسك عليك لسانك وآبك على خطيئتك وروي أنه قيل له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ قال مؤمن مجاهد بنفسه وماله في سبيل الله تعالى قيل ثم من قال رجل معتزل في شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شرّه

وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ يحب العبد التقي النقي الخفي (٤)

وفي الإحتجاج بهذه الأحاديث نظر فأما قوله لعبد الله بن عامر فلا يمكن تنزيله إلا على ما عرفه صلى الله عليه وسلم بنور النبوة من حاله وإن لزوم البيت كان أليق به وأسلم له من المخالطة فإنه لم يأمر جميع الصحابة بذلك ورب شخص تكون سلامته في العزلة لا في المخالطة كما قد تكون سلامته في القعود في البيت وأن لا يخرج الى الجهاد


(١) حديث قيل له صلى الله عليه وسلم الوضوء من جر مخمر أحب إليك أو من هذه المطاهر التي يطهر منها الناس فقال بل من هذه المطاهر الحديث أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث ابن عمر وفيه ضعف
(٢) حديث لما طاف بالبيت عدل إلى زمزم يشرب منها فإذا التمر منقع في حياض الأدم قد مغثه الناس بأيديهم الحديث وفيه فقال أسقوني من هذا الذي يشرب منه الناس رواه الأزرقي في تاريخ مكة من حديث ابن عباس بسند ضعيف ومن رواية طاوس مرسلا نحوه
(٣) حديث اعتزاله صلى الله عليه وسلم قريشاً لما آذوه وجفوه ودخل الشعب وامر أصحابه باعتزالهم والهجرة إلى الحبشة الحديث رواه موسى بن عقبة في المغازي ومن طريقه البيهقي في الدلائل عن ابن شهاب مرسلا ورواه ابن سعد في الطبقات من رواية ابن شهاب علي بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام مرسلا أيضا ووصله من رواية أبي سلمة الحضرمي عن ابن عباس إلا أن ابن سعد ذكر أن المشركين حصروا بني هاشم في الشعب وذكر موسى بن عقبة أن أبا طالب جمع بني عبد المطلب وأمرهم أن يدخلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم شعبهم ومغازي موسى بن عقبة أصح المغازي وذكر موسى بن عقبة أيضا أنه أمر أصحابه حين دخل الشعب بالخروج إلى أرض الحبشة ولأبي داود من حديث أبي موسى أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن ننطلق إلى أرض النجاشي قال البيهقي وإسناده صحيح ولأحمد من حديث ابن مسعود بعثنا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى النجاشي وروى ابن إسحاق بإسناد جيد ومن طريقه البيهقي في الدلائل من حديث أم سلمة أن بأرض الحبشة ملكا لا يظلم أحد عنده فالحقوا ببلاده الحديث
(٤) حديث إن الله يحب العبد التقي النقي الخفي أخرجه مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص

<<  <  ج: ص:  >  >>