للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيل إذا أثنى على الرجل معاملوه في الحضر ورفقاؤه في السفر فلا تشكوا في صلاحه

وَالسَّفَرُ مِنْ أَسْبَابِ الضَّجَرِ وَمَنْ أَحْسَنَ خُلُقَهُ في الضجر فهو الحسن الخلق وإلا فعند مساعدة الأمور على وفق الغرض قلما يظهر سوء الخلق

وقد قيل ثلاثة لا يلامون على الضجر الصائم والمريض والمسافر وتمام حسن خلق المسافر الإحسان الى المكاري ومعاونة الرفقة بكل ممكن والرفق بكل منقطع بأن لا يجاوزه إلا بالإعانة بمركوب أو زاد أو توقف لأجله

وَتَمَامُ ذَلِكَ مَعَ الرُّفَقَاءِ بِمِزَاحٍ وَمُطَايَبَةٍ فِي بعض الأوقات من غير فحش ولا معصية لِيَكُونَ ذَلِكَ شِفَاءً لِضَجَرِ السَّفَرِ وَمَشَاقِّهِ

الثَّانِي أَنْ يَخْتَارَ رَفِيقًا فَلَا يَخْرُجُ وَحْدَهُ فَالرَّفِيقُ ثُمَّ الطَّرِيقُ

وَلْيَكُنْ رَفِيقُهُ مِمَّنْ يُعِينُهُ عَلَى الدِّينِ فَيُذَكِّرُهُ إِذَا نَسِيَ وَيُعِينُهُ وَيُسَاعِدُهُ إِذَا ذَكَرَ فَإِنَّ الْمَرْءَ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ وَلَا يعرف الرجل إلا برفيقه

وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن أن يسافر الرجل وحده (١)

وقال الثلاثة نفر (٢)

وقال أيضاً إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فِي السَّفَرِ فَأَمِّرُوا أَحَدَكُمْ (٣)

وكانوا يفعلون ذلك ويقولون هذا أميرنا أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم (٤)

وَلْيُؤَمِّرُوا أَحْسَنَهُمْ أَخْلَاقًا وَأَرْفَقَهُمْ بِالْأَصْحَابِ وَأَسْرَعَهُمْ إِلَى الْإِيثَارِ وَطَلَبِ الْمُوَافَقَةِ

وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَى الْأَمِيرِ لأن الآراء تختلف في تعيين المنازل والطرق ومصالح السَّفَرِ وَلَا نِظَامَ إِلَّا فِي الْوَحْدَةِ وَلَا فساد إلا في الْكَثْرَةِ

وَإِنَّمَا انْتَظَمَ أَمْرُ الْعَالَمِ لِأَنَّ مُدَبِّرَ الكل واحد {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} ومهما كان المدبر واحدا انتظم أمر التدبير

وإذا كثر المدبرون فسدت الأمور في الحضر والسفر إلا أن مواطن الإقامة لا تخلو عن أمير عام كأمير البلد

وأمير خاص كرب الدار

وأما السفر فلا يتعين له أمير إلا بالتأمير

فلهذا وجب التأمير ليجتمع شتات الآراء

ثم على الأمير أن لا ينظر إلا لمصلحة القوم وأن يجعل نفسه وقاية لهم كما نقل عن عبد الله المروزي أنه صحبه أبو على الرباطي فقال على أن تكون أنت الأمير أو أنا فقال بل أنت فلم يزل يحمل الزاد لنفسه ولأبي علي على ظهره فأمطرت السماء ذات ليلة فقام عبد الله طول الليل على رأس رفيقه وفي يده كسا يمنع عنه المطر فكلما قال له عبد الله لا تفعل يقول ألم تقل إن الإمارة مسلمة لي فلا تتحكم علي ولا ترجع عن قولك حتى قال أبو علي وددت أني مت ولم أقل له أنت الأمير فهكذا ينبغي أن يكون الأمير

وقد قال صلى الله عليه وسلم خير الأصحاب أربعة (٥)

وتخصيص الأربعة من بين سائر الأعداد لا بد أن يكون له فائدة والذي ينقدح فيه أن المسافر لا يخلو عن رجل يحتاج الى حفظه وعن حاجة يحتاج الى التردد فيها ولو كانوا ثلاثة لكان المتردد في الحاجة واحدا فيبقى في السفر بلا رفيق فلا يخلو عن خطر وعن ضيق قلب لفقد أنس الرفيق ولو تردد في الحاجة اثنان لكان الحافظ للرحل واحدا فلا يخلو أيضاً عن الخطر وعن ضيق الصدر

فإذن ما دون الأربعة لا يفي بالمقصود وما فوق الأربعة يزيد فلا تجمعهم رابطة واحدة فلا ينعقد بينهم الترافق لأن الخامس زيادة بعد الحاجة ومن يستغني عنه لا تنصرف الهمة اليه فلا تتم المرافقة معه

نعم في كثرة الرفقاء فائدة للأمن من المخاوف


(١) حديث النهي عن أن يسافر الرجل وحده أخرجه أحمد من حديث ابن عمر بسند صحيح وهو عند البخاري بلفظ لو يعلم الناس ما في الوحدة ما سار راكب بليل وحده
(٢) حديث الثلاثة نفر رويناه من حديث علي في وصيته المشهورة وهو حديث موضوع والمعروف الثلاثة ركب رواه أبو داود والترمذي وحسنه النسائي من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
(٣) حديث إذا كنتم ثلاثة فأمروا أحدكم أخرجه الطبراني من حديث ابن مسعود بإسناد حسن
(٤) حديث كانوا يفعلون ذلك ويقولون هو أمير أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه البزار والحاكم عن عمر أنه قال إذا كنتم ثلاثة في سفر فأمروا عليكم أحدكم ذا أمير أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين
(٥) حديث خير الأصحاب أربعة أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم من حديث ابن عباس قال الترمذي حسن غريب وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين

<<  <  ج: ص:  >  >>