للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال لأبي موسى الأشعري لقد أوتى مزماراً من مزامير آل داود عليه السلام (١)

وأما الحكايات الدالة على أن أرباب القلوب ظهر عليهم الوجد عند سماع القرآن فكثيرة فقوله صلى الله عليه وسلم شيبتني هود وأخواتها (٢)

خبر عن الوجد فإن الشيب يحصل من الحزن والخوف وذلك وجد

وروي أن ابن مسعود رضي الله عنه قرأ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سورة النساء فلما انتهى إلى قوله تعالى {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً} قال {حسبك} وكانت عيناه تذرفان بالدموع (٣)

وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قرأ هذا الآية أو قرئ عنده {إن لدينا أنكالاً وجحيماً وطعاماً ذا غصة وعذاباً أليماً} فصعق (٤)

وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قرأ {إن تعذبهم فإنهم عبادك} فبكى (٥)

وكان صلى الله عليه وسلم إذا مر بآية رحمة دعا واستبشر (٦)

والاستبشار وجد

وقد أثنى الله تعالى على أهل الوجد بالقرآن فقال تعالى {وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق} وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل (٧)

وأما ما نقل من الوجد بالقرآن عن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين فكثير فمنهم من صعق ومنهم من بكى ومنهم من غشي عليه ومنهم من مات في غشيته

وروى أن زرارة بن أوفى وكان من التابعين كان يؤم الناس بالرقة فقرأ {فإذا نقر في الناقور} فصعق ومات في محرابه رحمه الله

وسمع عمر رضي الله عنه رجلاً يقرأ إن عذاب ربك لواقع ماله من دافع فصاح صيحة وخر مغشياً عليه فحمل إلى بيته فلم يزل مريضاً في بيته شهراً

وأبو جرير من التابعين قرأ عليه صالح المري فشهق ومات

وسمع الشافعي رحمه الله قارئاً يقرأ {هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون} فغشي عليه

وسمع علي بن الفضيل قارئاً يقرأ {يوم يقوم الناس لرب العالمين} فسقط مغشياً عليه فقال الفضيل شكر الله لك ما قد علمه منك

وكذلك نقل عن جماعة منهم

وكذلك الصوفية فقد كان الشبلي في مسجده ليلة من رمضان وهو يصلي خلف إمام له فقرأ الإمام {ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك} فزعق الشبلي زعقة ظن الناس أنه قد طارت روحه وأحمر وجهه وارتعدت فرائصه وكان يقول بمثل هذا يخاطب الأحباب يردد ذلك مراراً

وقال الجنيد دخلت على سرى السقطي فرأيت بين يديه رجلاً قد غشي عليه فقال لي هذا رجل قد سمع آية من القرآن فغشي عليه فقلت اقرءوا عليه تلك الآية بعينها فقرئت فأفاق فقال من أين قلت هذا فقلت رأيت يعقوب عليه السلام كان عماه من أجل مخلوق فبمخلوق أبصر ولو كان عماه من أجل الحق ما أبصر بمخلوق فاستحسن ذلك

ويشير إلى ما قاله الجنيد قول الشاعر

وكأس شربت على لذة ... وأخرى تداويت منها بها

وقال بعض الصوفية كنت أقرأ ليلة هذه الآية {كل نفس ذائقة الموت} فجعلت أرددها فإذا هاتف يهتف بي


(١) حديث لقد أوتى مزماراً من مزامير آل داود قاله لأبي موسى تقدم فيه
(٢) حديث شيبتني هود وأخواتها أخرجه الترمذي من حديث أبي جحيفة وله وللحاكم من حديث ابن عباس نحوه قال الترمذي حسن وقال الحاكم صحيح على شرط البخاري
(٣) حديث إن ابن مسعود قرأ عليه فلما انتهى إلى قوله {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً} قال {حسبك} الحديث متفق عليه من حديثه
(٤) حديث أنه قرئ عنده إن لدينا أنكالاً وجحيماً وطعام ذا غصة وعذاباً أليماً فصعق رواه ابن عدي في الكامل والبيهقي في الشعب من طريقه من حديث أبي حرب بن أبي الأسود مرسلا
(٥) حديث إنه قرأ {إن تعذبهم فإنهم عبادك} فبكى أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو
(٦) حديث كان إذا مر بآية رحمة دعا واستبشر تقدم في تلاوة القرآن دون قوله واستبشر
(٧) حديث أنه كان يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي في الشمائل من حديث عبد الله بن الشخير وقد تقدم

<<  <  ج: ص:  >  >>