للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويستغيث وهو يدفعه ويعتل عليه فإذا جهد وأخرج وظهرت صرخ بين يديك فيضرب ضرباً مبرحاً ليكون نكالاً لغيره وأنت تنظر ولا تنكر ولا تغير فما بقاء الإسلام وأهله على هذا ولقد كانت بنو أمية وكانت العرب لا ينتهي إليهم المظلوم إلا رفعت ظلامته إليهم فينصف ولقد كان الرجل يأتي من أقصى البلاد حتى يبلغ باب سلطانهم فينادي يا أهل الإسلام فيبتدرونه مالك مالك فيرفعون مظلمته إلى سلطانهم فينتصف ولقد كنت يا أمير المؤمنين أسافر إلى أرض الصين وبها ملك فقدمتها مرة وقد ذهب سمع ملكهم فجعل يبكي فقال له وزراؤه مالك تبكي لا بكت عيناك فقال أما إني لست أبكي على المصيبة التي نزلت بي ولكن أبكي لمظلوم يصرخ بالباب فلا أسمع صوته ثم قال أما إن كان قد ذهب سمعي فإن بصري لم يذهب نادوا في الناس ألا لا يلبس ثوباً أحمر إلا مظلوم فكان يركب الفيل ويطوف طرفي النهار هل يرى مظلوماً فينصفه هذا يا أمير المؤمنين مشرك بالله قد غلبت رأفته بالمشركين ورقته على شح نفسه في ملكه وأنت مؤمن بالله وابن عم نبي الله لا تغلبك رأفتك بالمسلمين ورقتك على شح نفسك فإنك لا تجمع الأموال إلا لواحد من ثلاثة إن قلت اجمعها لولدي فقد أراك الله عبرا في الطفل الصغير يسقط من بطن أمه وماله على الأرض مال وما من مال إلا ودونه يد شحيحة تحويه فما يزال الله تعالى يلطف بذلك الطفل حتى تعظم رغبة الناس إليه ولست الذي تعطي بل الله يعطي من يشاء وإن قلت أجمع المال لأشيد سلطاني

فقد أراك الله عبراً فيمن كان قبلك ما أغنى عنهم ما جمعوه من الذهب والفضة وما أعدوا من الرجال والسلاح والكراع وما ضرك وولد أبيك ما كنتم فيه من قلة الجدة والضعف حين أراد الله بكم ما أراد

وإن قلت أجمع المال لطلب غاية هي أجسم من الغاية التي أنت فهيا فوالله ما فوق ما أنت فيه إلا منزلة لا تدرك إلا بالعمل الصالح يا أمير المؤمنين هل تعاقب من عصاك من رعيتك بأشد من القتل قال لا قال فكيف تصنع بالملك الذي خولك الله وما أنت عليه من ملك الدنيا وهو تعالى لا يعاقب من عصاه بالقتل ولكن يعاقب من عصاه بالخلود في العذاب الأليم وهو الذي يرى منك ما عقد عليه قلبك وأضمرته جوارحك فماذا تقول إذا انتزع الملك الحق المبين ملك الدنيا من يدك ودعاك إلى الحساب هل يغني عنك عنده شيء مما كنت فيه مما شححت عليه من ملك الدنيا فبكى المنصور بكاء شديداً حتى نحب وارتفع صوته ثم قال

يا ليتني لم أخلق ولم أك شيئاً ثم قال كيف احتيالي فيما خولت فيه ولم أر من الناس إلا خائناً قال يا أمير المؤمنين عليك بالإئمة الأعلام المرشدين قال ومن هم قال العلماء قال قد فروا مني قال هربوا منك مخافة أن تحملهم على ما ظهر من طريقتك من قبل عمالك ولكن افتح الأبواب وسهل الحجاب وانتصر للمظلوم من الظالم وامنع المظالم وخذ الشيء مما حل وطاب واقسمه بالحق والعدل وأنا ضامن على أن من هرب منك أن يأتيك فيعاونك على صلاح أمرك ورعيتك

فقال المنصور اللهم وفقني أن أعمل بما قال هذا الرجل

وجاء المؤذنون فسلموا عليه وأقيمت الصلاة فخرج فصلى بهم ثم قال للحرسى عليك بالرجل إن لم تأتني به لأضربن عنقك واغتاظ عليه غيظا شديدا فخرج الحرسى يطلب الرجل فبينا هو يطوف فإذا هو بالرجل يصلي في بعض الشعاب فقعد حتى صلى ثم قال يا ذا الرجل أما تتقي الله قال بلى قال أما تعرفه قال بلى قال فانطلق معي إلى الأمير فقد آلى أن يقتلني إن لم آته بك قال ليس لي إلى ذلك من سبيل قال يقتلني قال لا قال كيف قال تحسن تقرأ قال لا فأخرج من مزود كان معه رقاً مكتوبا فيه شيء فقال خذه فاجعله في جيبك فإن فيه دعاء الفرج قال وما دعاء الفرج قال لا يرزقه إلا الشهداء قلت رحمك الله قد أحسنت إلي فإن رأيت أن تخبرني ما هذا الدعاء وما فضله قال من

<<  <  ج: ص:  >  >>