للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دعا به مساء وصباحاً هدمت ذنوبه ودام سروره ومحيت خطاياه واستجيب دعاؤه وبسط له رزقه وأعطى أمله وأعين على عدوه وكتب عند الله صديقاً ولا يموت إلا شهيداً تقول

اللهم كما لطفت في عظمتك دون اللطفاء وعلوت بعظمتك على العظماء وعلمت ما تحت أرضك كعلمك بما فوق عرشك وكان وساوس الصدور كالعلانية عندك وعلانية القول كالسر في علمك وانقاد كل شيء لعظمتك وخضع كل ذي سلطان لسلطانك وصار أمر الدنيا والآخرة كله بيدك اجعل لي من كل هم أمسيت فيه فرجاً ومخرجاً

اللهم إن عفوك عن ذنوبي وتجاوزك عن خطيئتي وسترك على قبيح عملي أطمعني أن أسألك مالا أستوجبه مما قصرت فيه أدعوك آمناً وأسألك مستأنساً وإنك المحسن إلي وأنا المسيء إلى نفسي فيما بيني وبينك تتودد إلي بنعمك وأتبغض إليك بالمعاصي ولكن الثقة بك حملتني على الجراءة عليك فعد بفضلك وإحسانك على إنك أنت التواب الرحيم

قال فأخذته فصيرته في جيبي ثم لم يكن لي هم غير أمير المؤمنين فدخلت فسلمت عليه فرفع رأسه فنظر إلي وتبسم ثم قال

ويلك وتحسن السحر فقلت لا والله يا أمير المؤمنين ثم قصصت عليه أمري مع الشيخ فقال هات الرق الذي أعطاك ثم جعل يبكي وقال

وقد نجوت وأمر بنسخه وأعطاني عشرة آلاف ثم قال أتعرفه قلت لا قال ذلك الخضر عليه السلام

وعن أبي عمران الجوني قال لما ولي هارون الرشيد الخلافة زاره العلماء فهنوه بما صار إليه من أمر الخلافة ففتح بيوت الأموال وأقبل يجيزهم بالجوائز السنية وكان قبل ذلك يجالس العلماء والزهاد وكان يظهر النسك والتقشف وكان مؤاخياً لسفيان بن سعيد بن المنذر الثوري قديماً فهجره سفيان ولم يزره فاشتاق هرون إلى زيارته ليخلو به ويحدثه فلم يزره ولم يعبأ بموضعه ولا بما صار إليه فاشتد ذلك على هرون فكتب إليه كتاباً يقول فيه بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله هرون الرشيد أمير المؤمنين إلى أخيه سفيان بن سعيد بن المنذر أما بعد يا أخي قد علمت أن الله تبارك وتعالى واخى بين المؤمنين وجعل ذلك فيه وله واعلم أني قد واخيتك مواخاة لم أصرم بها حبلك ولم أقطع منها ودك وإني منطو لك على أفضل المحبة والإرادة ولولا هذه القلادة التي قلدنيها الله لأتيتك ولو حبوا لما أجد لك في قلبي من المحبة واعلم يا أبا عبد الله أنه ما بقي من إخواني وإخوانك أحد إلا وقد زارني وهناني بما صرت إليه وقد فتحت بيوت الأموال وأعطيتهم من الجوائز السنية ما فرحت به نفسي وقرت به عيني وإني استبطأتك فلم تأتني وقد كتبت لك كتاباً شوقاً مني إليك شديداً وقد علمت يا أبا عبد الله ما جاء في فضل المؤمن وزيارته ومواصلته فإذا ورد عليه كتابي فالعجل العجل

فلما كتب الكتاب التفت إلى من عنده فإذا كلهم يعرفون سفيان الثوري وخشونته فقال علي برجل من الباب فأدخل عليه رجل يقال له عباد الطالقاني

فقال يا عباد خذ كتابي هذا فانطلق به إلى الكوفة فإذا دخلتها فسل عن قبيلة بني ثور ثم سل عن سفيان الثوري فإذا رأيته فالق كتابي هذا إليه وع بسمعك وقلبك جميع ما يقول فأحص عليه دقيق أمره وجليله لتخبرني به

فأخذ عباد الكتاب وانطلق به حتى ورد الكوفة فسأل عن القبيلة فأرشد إليها ثم سأل عن سفيان فقيل له هو في المسجد

قال عباد فأقبلت إلى المسجد فلما رآني قام قائما وقال أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وأعوذ بك اللهم من طارق يطرق إلا بخير

قال عباد فوقعت الكلمة في قلبي فجرحت فلما رآني نزلت بباب المسجد قام يصلي ولم يكن وقت صلاة فربطت فرسي بباب المسجد ودخلت فإذا جلساؤه قعود قد نكسوا رءوسهم كأنهم لصوص قد ورد عليهم السلطان فهم خائفون من عقوبته فسلمت فما رفع أحد إلى رأسه وردوا السلام علي برءوس الأصابع فبقيت واقفاً فما منهم أحد يعرض على الجلوس وقد علاني من هيبتهم الرعدة

<<  <  ج: ص:  >  >>