للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الليلة مات مصراً ويحشر على نيته وقد هم بسيئة ولم يعملها

والدليل القاطع فيه ما رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار فقيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال لأنه أراد قتل صاحبه (١) حديث لما نزل قوله تعالى {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} جاء ناس من الصحابة إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا كلفنا ما لا نطيق الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وابن عباس نحوه فأنزل الله الفرج بعد سنة بقوله {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} فظهر به أن كل ما لا يدخل تحت الوسع من أعمال القلب هو الذي لا يؤاخذ به فهذا هو كشف الغطاء عن هذا الالتباس وكل من يظن أن كل ما يجري على القلب يسمى حديث النفس ولم يفرق بين هذه الأقسام الثلاثة فلا بد وأن يغلط وكيف لا يؤاخذ بأعمال القلب من الكبر والعجب والرياء والنفاق والحسد وجملة الخبائث من أعمال القلب بل السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا أي ما يدخل تحت الاختيار فلو وقع البصر بغير اختيار على غير ذي محرم لم يؤاخذ به فإن أتبعها نظرة ثانية كان مؤاخذاً به لأنه مختار فكذا خواطر القلب تجري هذا المجرى بل القلب أولى بمؤاخذته لأنه الأصل قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التقوى ههنا وأشار إلى القلب (٢) وقال الله تعالى {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يناله التقوى منكم} وقال صلى الله عليه وسلم الإثم حواز القلوب (٣) وقال البر ما اطمأن إليه القلب وإن أفتوك وأفتوك (٤) حتى إنا نقول إذا حكم القلب المفتى بإيجاب شيء وكان مخطئاً فيه صار مثاباً عليه بل من قد ظن أنه تطهر فعليه أن يصلي فإن صلى ثم تذكر أنه لم يتوضأ كان له ثواب بفعله فإن تذكر ثم تركه كان معاقباً عليه ومن وجد على فراشه امرأة فظن أنها زوجته لم يعص بوطئها وإن كانت أجنبية فإن ظن أنها أجنبية ثم وطئها عصى بوطئها وإن كانت زوجته وكل ذلك نظر إلى القلب دون الجوارح

بيان أن الوسواس هل يتصور أن ينقطع بالكلية عند الذكر أم لا

اعلم أن العلماء المراقبين للقلوب الناظرين في صفاتها وعجائبها اختلفوا في هذه المسألة على خمس فرق

فقالت فرقة الوسوسة تنقطع بذكر الله عز وجل لأنه صلى الله عليه وسلم قال فإذا ذكر الله خنس // حديث إذا ذكر الله خنس أخرجه ابن أبي الدنيا وابن عدي من حديث أنس في أثناء حديث إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم الحديث وقد تقدم قريبا والخنس هو السكوت فكأنه يسكت


(١) حديث إذا التقى بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار الحديث متفق عليه من حديث أبي بكرة وهذا نص في أنه صار بمجرد الإرادة من أهل النار مع أنه قتل مظلوماً فكيف يظن أن الله لا يؤاخذ بالنية والهم بل كل هم دخل تحت اختيار العبد فهو مؤاخذ به إلا أن يكفره بحسنة ونقض العزم بالندم حسنة فلذلك كتبت له حسنة فأما فوت المراد بعائق فليس بحسنة وأما الخواطر وحديث النفس وهيجان الرغبة فكل ذلك لا يدخل تحت اختيار فالمؤاخذة به تكليف ما لا يطاق ولذلك لما نزل قوله تعالى {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} جاء ناس من الصحابة إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقالوا كلفنا ما لا نطيق إن أحدنا ليحدث نفسه بما لا يحب أن يثبت في قلبه ثم يحاسب بذلك فقال صلى الله عليه وسلم لعلكم تقولون كما قالت اليهود سمعنا وعصينا قولوا سمعنا وأطعنا فقالوا سمعنا وأطعنا
(٢) حديث التقوى ههنا وأشار إلى القلب أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وقال إلى صدره
(٣) حديث الإثم حواز القلوب تقدم في العلم
(٤) حديث البر ما اطمأن إليه القلب وإن أفتوك وأفتوك أخرجه الطبراني من حديث أبي ثعلبة ولأحمد نحوه من حديث وابصة وفيه وإن أفتاك الناس وأفتوك وقد تقدما

<<  <  ج: ص:  >  >>