أجبتك بهذا سبع مرات فأبيت أن تسمعيه إلا من الجنيدها قد سمعتيه ثم انصرف وما عرفته وقال يزيد الرقاشي إليكم عني الماء البارد في الدنيا لعلي لا أحرمه في الآخرة
وقال رجل لعمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى متى أتكلم قال إذا اشتهيت الصمت قال متى أصمت قال إذا اشتهيت الكلام
وقال علي رضي الله عنه من اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات في الدنيا
وكان مالك بن دينار يطوف في السوق فإذا رأى الشيء يشتهيه قال لنفسه اصبري فوالله ما أمنعك إلا من كرامتك علي
فإذن قد اتفق العلماء والحكماء على أن لا طريق إلى سعادة الآخرة إلا بنهي النفس عن الهوى ومخالفة الشهوات فالإيمان بهذا واجب
وأما علم تفصيل ما يترك من الشهوات وما لا يترك فلا يدرك إلا بما قدمناه
وحاصل الرياضة وسرها أن لا تتمتع النفس بشيء مما لا يوجد في القبر إلا بقدر الضرورة فيكون مقتصراً من الأكل والنكاح واللباس والمسكن وكل ما هو مضطر إليه على قدر الحاجة والضرورة فإنه لو تمتع بشيء منه أنس به وألفه فإذا مات تمنى الرجوع إلى الدنيا بسببه ولا يتمنى الرجوع إلى الدنيا إلا من لا حظ له في الآخرة بحال ولا خلاص منه إلا بأن يكون القلب مشغولاً بمعرفة الله وحبه والتفكر فيه والانقطاع إليه ولا قوة على ذلك إلا بالله ويقتصر من الدنيا على ما يدفع عوائق الذكر والفكر فقط
فمن لم يقدر على حقيقة ذلك فليقرب منه والناس فيه أربعة
رجل مستغرق قلبه بذكر الله فلا يلتفت إلى الدنيا إلا في ضرورات المعيشة فهو من الصديقين
ولا ينتهي إلى هذه الرتبة إلا بالرياضة الطويلة والصبر عن الشهوات مدة مديدة
الثاني رجل استغرقت الدنيا قلبه ولم يبق لله تعالى ذكر في قلبه إلا من حيث حديث النفس حيث يذكره باللسان لا بالقلب فهذا من الهالكين
والثالث رجل اشتغل بالدنيا والدين ولكن الغالب على قلبه هو الدين فهذا لا بد له من ورود النار إلا أنه ينجو منها سريعاً بقدر غلبة ذكر الله تعالى على قلبه
والرابع رجل اشتغل بهما جميعاً لكن الدنيا أغلب على قلبه فهذا يطول مقامه في النار لكن يخرج منها لا محالة لقوة ذكر الله تعالى في قلبه وتمكنه من صميم فؤاده وإن كان ذكر الدنيا أغلب على قلبه
اللهم إنا نعوذ بك من خزيك فإنك أنت المعاذ
وربما يقول القائل إن التنعم بالمباح مباح فكيف يكون التنعم سبب البعد من الله عز وجل وهذا خيال ضعيف بل حب الدنيا رأس كل خطيئة وسبب إحباط كل حسنة والمباح الخارج عن قدر الحاجة أيضاً من الدنيا وهو سبب البعد وسيأتي ذلك في كتاب ذم الدنيا وقد قال إبراهيم الخواص كنت مرة في جبل اللكام فرأيت رماناً فاشتهيته فأخذت منه واحدة فشققتها فوجدتها حامضة فمضيت وتركتها فرأيت رجلاً مطروحاً وقد اجتمعت عليه الزنابير فقلت السلام عليك فقال وعليك السلام يا إبراهيم فقلت كيف عرفتني فقال من عرف الله عز وجل لم يخف عليه شيء فقلت أرى لك حالاً مع الله عز وجل فلو سألته أن يحميك من هذه الزنابير فقال وأرى لك حالاً مع الله تعالى فلو سألته أن يحميك من شهوة الرمان فإن لدغ الرمان يجد الإنسان ألمه في الآخرة ولدغ الزنابير يجد ألمه في الدنيا فتركته ومضيت
وقال السري أنا منذ أربعين سنة تطالبني نفسي أن أغمس خبزة في دبس فما أطعتها
فإذن لا يمكن إصلاح القلب لسلوك طريق الآخرة ما لم يمنع نفسه عن التنعم بالمباح فإن النفس إذا لم تمنع