للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آفات اللسان على ما سنذكره علم قطعاً أن ما ذكره صلى الله عليه وسلم هو فصل الخطاب حيث قال من صمت نجا (١)

فلقد أوتى والله جواهر الحكم قطعا وجوامع الكلم (٢) ولا يعرف ما تحت آحاد كلماته من بحار المعاني إلا خواص العلماء وفيما سنذكره من الآفات وعسر الاحتراز عنها ما يعرفك حقيقة ذلك إن شاء الله تعالى

ونحن الآن نعد آفات اللسان ونبتديء بأخفها ونترقى إلى الأغلظ قليلاً ونؤخر الكلام في الغيبة والنميمة والكذب فإن النظر فيها أطول وهي عشرون آفة فاعلم ذلك ترشد بعون الله تعالى الآفة الأولى الكلام فيما لا يعنيك

اعلم أن أحسن أحوالك أن تحفظ ألفاظك من جميع الآفات التي ذكرناها من الغيبة والنميمة والكذب والمراء والجدال وغيرها وتتكلم فيما هو مباح لا ضرر عليك فيه ولا على مسلم أصلاً إلا أنك تتكلم بما أنت مستغن عنه ولا حاجة بك إليه فإنك مضيع به زمانك ومحاسب على عمل لسانك وتستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير لأنك لو صرفت زمان الكلامإلى الفكر ربما كان ينفتح لك من نفحات رحمة الله عند الفكر ما يعظم جدواه ولو هللت الله سبحانه وذكرته وسبحته لكان خيراً لك فكم من كلمة يبنى بها قصراً في الجنة ومن قدر على أن يأخذ كنزاً من الكنوز فأخذ مكانه مدرة لا ينتفع بها كان خاسراً خسراناً مبيناً وهذا مثال من ترك ذكر الله تعالى واشتغل بمباح لا يعنيه فإنه وإن لم يأثم فقد خسر حيث فاته الربح العظيم بذكر الله تعالى فإن المؤمن لا يكون صمته إلا فكرا ونظره إلا عبرة ونطقه إلا ذكراً (٣) هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم

بل رأس مال العبد أوقاته ومهما صرفها إلى مالا يَعْنِيهِ وَلَمْ يَدَّخِرْ بِهَا ثَوَابًا فِي الْآخِرَةِ فَقَدْ ضَيَّعَ رَأْسَ مَالِهِ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ المرء تركه مالا يعنيه (٤)

بل ورد ما هو أشد من هذا قال أنس استشهد غلام منا يوم أحد فوجدنا على بطنه حجراً مربوطاً من الجوع فمسحت أمه عن وجهه التراب وقالت هنيئاً لك الجنة يا بني فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يُدْرِيكِ لعله كان يتكلم فيما لا يعنيه وَيَمْنَعُ مَا لَا يَضُرُّهُ (٥)

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ إن النبي صلى الله عليه وسلم فقد كعباً فسأل عنه فقالوا مريض فخرج يمشي حتى أتاه فلما دخل عليه قال أبشر يا كعب فقالت أمه هنيئاً لك الجنة يا كعب فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ هَذِهِ المتألية على الله قال هي أمي يا رسول الله قال وما يدريك يا أم كعب لعل كعباً قال ما لا يعنيه أو منع ما لا يغنيه (٦)

ومعناه أنه إنما تتهيأ الجنة لمن لا يحاسب ومن تكلم فيما لا يعنيه حوسب عليه وإن كان كلامه غير مباح فلا تتهيأ الجنة مع المناقشة في الحساب فإنه نوع من العذاب


(١) حديث من صمت نجا تقدم
(٢) حديث أنه صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وقد تقدم
(٣) حديث المؤمن لا يكون صمته إلا فكرا ونظرة إلا عبرة ونطقه إلا ذكرا لم أجد له أصلا وروي محمد بن زكريا العلائي أحد الضعفاء عن ابن عائشة عن أبيه قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن الله أمرني أن يكون نطقي ذكرا وصمتي فكرا ونظري عبرة
(٤) حديث مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يعنيه أخرجه الترمذي وقال غريب وابن ماجه من حديث أبي هريرة
(٥) حديث استشهد منا غلام يوم أحد فوجد على بطنه صخرة مربوطة من الجوع الحديث وفيه لعله كان يتكلم بما لا يعنيه ويمنع ما لا يضره أخرجه الترمذي من حديث أنس مختصرا وقال غريب ورواه ابن أبي الدنيا في الصمت بلفظ المصنف بسند ضعيف
(٦) حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم فقد كعباً فسأل عنه فقالوا مريض الحديث وفيه لعل كعباً قال ما لا يعنيه أو منع ما لا يغنيه أخرجه ابن أبي الدنيا من حديث كعب بن عجرمة بإسناد جيد إلا أن الظاهر انقطاعه بين الصحابي وبين الراوي عنه

<<  <  ج: ص:  >  >>