للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه أن كل شخص ثبتت لعنته شرعاً فتجوز لعنته كقولك فرعون لعنه الله وأبو جهل لعنه الله لأنه قد ثبت أن هؤلاء ماتوا على الكفر وعرف ذلك شرعاً وأما شخص بعينه في زماننا كقولك زيد لعنه الله وهو يهودي مثلاً فهذا فيه خطر فإنه ربما يسلم فيموت مقرباً عند الله فكيف يحكم بكونه ملعوناً

فإن قلت يلعن لكونه كافراً في الحال كما يقال للمسلم رحمه الله لكونه مسلماً في الحال وإن كان يتصور أن يرتد فاعلم أن معنى قولنا رحمه الله أي ثبته الله على الإسلام الذي هو سبب الرحمة وعلى الطاعة ولا يمكن أن يقال ثبت الله الكافر على ما هو سبب اللعنة فإن هذا سؤال للكفر وهو في نفسه كفر بل الجائز أن يقال لعنه الله إن مات على الكفر ولا لعنه الله إن مات على الإسلام وذلك غيب لا يدرى والمطلق متردد بين الجهتين ففيه خطر وليس في ترك اللعن خطر وإذا عرفت هذا في الكافر فهو في زيد الفاسق أو زيد المبتدع أولى فلعن الأعيان فيه خطر لأن الأعيان تتقلب في الأحوال إلا من أعلم به رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ يجوز أن يعلم من يموت على الكفر ولذلك عين قوماً باللعن فكان يقول في دعائه على قريش اللهم عليك بأبي جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة (١) وذكر جماعة قتلوا على الكفر حتى إن من لم يعلم عاقبته كان يلعنه فنهى عنه إذ روي أنه كان يلعن الذي قتلوا أصحاب بئر معونة في قنوته شهراً فنزل قوله تعالى ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون (٢)

يعني أنهم ربما يسلمون فمن أين تعلم أنهم ملعونون وكذلك من بان لنا موته على الكفر جاز لعنه وجاز ذمه إن لم يكن فيه أذى على مسلم فإن كان لم يجز كما رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم سأل أبا بكر رضي الله عنه عن قبر مر به وهو يريد الطائف فقال هذا قبر رجل كان عاتياً على الله ورسوله وهو سعيد بن العاص فغضب ابنه عمرو بن سعيد وقال يا رسول الله هذا قبر رجل كان أطعم للطعام وأضرب للهام من أبي قحافة فقال أبو بكر يكلمني هذا يا رسول الله بمثل هذا الكلام فقال صلى الله عليه وسلم اكفف عن أبي بكر فانصرف ثم أقبل على أبي بكر فقال يا أبا بكر إذا ذكرتم الكفار فعمموا فإنكم إذا خصصتم غضب الأبناء للآباء فكف الناس عن ذلك (٣) حديث شرب نعمان الخمر فحد مرات في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعض الصحابة لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تكن عوناً للشيطان على أخيك وفي رواية لا تقل هذا فإنه يحب الله ورسوله أخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب من طريق الزبير بن بكار من رواية محمد بن عمرو بن حزم مرسلا ومحمد هذا ولد في حياته صلى الله عليه وسلم وسماه محمدا وكناه عبد الملك وللبخاري من حديث عمر أن رجلا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كان اسمه عبد الله وكان يلقب حمارا وكان يضحك رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ قد جلده في الشراب فأتي به يوما فأمر به فجلد فقال رجل من القوم اللهم العنه أكثر ما يؤتى به فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تلعنوه فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله من حديث أبي هريرة في رجل شرب ولم يسم وفيه لا تعينوا عليه الشيطان وفي رواية لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم // وفي رواية لا تقل هذا فإنه يحب الله ورسوله فنهاه عن ذلك وهذا يدل على أن


(١) حديث اللهم عليك بأبي جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وذكر جماعة متفق عليه من حديث ابن مسعود
(٢) حديث أنه كان يلعن الذين قتلوا أصحاب بئر معونة في قنوته شهراً فنزل قوله تعالى {ليس لك من الأمر شيء} أخرجه الشيخان من حديث أنس دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الذين قتلوا أصحاب بئر معونة ثلاثين صباحا الحديث وفي رواية لهما قنت شهرا يدعو على رعل وذكوان الحديث ولهما من حديث أبي هريرة وكان يقول حين يفرغ من صلاة الفجر من القراءة ويكبر ويرفع رأسه الحديث اللهم العن لحيان ورعلا الحديث وفيه ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما أنزل الله ليس لك من الأمر شيء بلفظ مسلم
(٣) حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل أبا بكر عن قبر مر به وهو يريد الطائف فقال هذا قبر رجل كان عاتيا على الله وعلى رسوله وهو سعيد بن العاص فغضب ابنه الحديث أخرجه أبو داود في المراسيل من رواية علي بن ربيعة قال لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة توجه من فوره ذلك إلى الطائف ومعه أبو بكر ومعه ابنا سعيد بن العاص فقال أبو بكر لمن هذا القبر قالوا قبر سعيد بن العاص فقال أبو بكر لعن الله صاحب هذا القبر فإنه كان يجاهد الله ورسوله الحديث وفيه فإذا سببتم المشركين فسبوهم جميعا وشرب نعيمان الخمر فحد مرات في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعض الصحابة لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به فقال صلى الله عليه وسلم لا تكن عوناً للشيطان على أخيك

<<  <  ج: ص:  >  >>