للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لتجمع بين النكالين فقد قصدت محسودك فأصبت نفسك وأهديت إليه حسناتك فإذا أنت صديقه وعدو نفسك إذ لا تضره غيبتك وتضرك وتنفعه إذ تنقل إليه حسناتك أو تنقل إليك سيئاته ولا تنفعك وقد جمعت إلى خبث الحسد جهل الحماقة وربما يكون حسدك وقدحك سبب انتشار فضل محسودك كما قيل

وإذا أراد الله نشر فضيله ... طويت أتاح لها لسان حسود

وأما الاستهزاء فمقصودك منه إخزاء غيرك عند الناس بإخزاء نفسك عند الله تعالى وعند الملائكة والنبيين عليهم الصلاة والسلام فلو تفكرت في حسرتك وجنايتك وخجلتك وخزيك يوم القيامة يوم تحمل سيئات من استهزأت به وتساق إلى النار لأدهشك ذلك عن إخزاء صاحبك ولو عرفت حالك لكنت أولى أن تضحك منك فإنك سخرت به عند نفر قليل وعرضت نفسك لأن يأخذ يوم القيامة بيدك على ملأ من الناس ويسوقك تحت سيئاته كما يساق الحمار إلى النار مستهزئاً بك وفرحاً بخزيك ومسروراً بنصرة الله تعالى إياه عليك وتسلطه على الانتقام منك

وأما الرحمة له على إثمه فهو حسن ولكن حسدك إبليس فأضلك واستنطقك بما ينقل من حسناتك إليه ما هو أكثر من رحمتك فيكون جبرا لإثم المرحوم فيخرج عن كونه مرحوما وتنقلب أنت مستحقاً لأن تكون مرحوماً إذ حبط أجرك ونقصت من حسناتك وكذلك الغضب لله تعالى لا يوجد الغيبة وإنما الشيطان حبب إليك الغيبة ليحبط أجر غضبك وتصير معرضاً لمقت الله عز وجل بالغيبة

وأما التعجب إذا أخرجك إلى الغيبة فتعجب من نفسك أنت كيف أهلكت نفسك ودينك بدين غيرك أو بدنياه وأنت مع ذلك لا تأمن عقوبة الدنيا وهو أن يهتك الله سترك كما هتكت بالتعجب ستر أخيك

فإذن علاج جميع ذلك المعرفة فقط والتحقق بهذه الأمور التي هي من أبواب الإيمان فمن قوي إيمانه بجميع ذلك انكف لسانه عن الغيبة لا محالة

بيان تحريم الغيبة بالقلب

اعْلَمْ أَنَّ سُوءَ الظَّنِّ حَرَامٌ مِثْلُ سُوءِ الْقَوْلِ فَكَمَا يَحْرُمُ عَلَيْكَ أَنْ تُحَدِّثَ غَيْرَكَ بلسانك بمساويءالغير فَلَيْسَ لَكَ أَنْ تُحَدِّثَ نَفْسَكَ وَتُسِيءَ الظَّنَّ بِأَخِيكَ وَلَسْتُ أَعْنِي بِهِ إِلَّا عَقْدَ الْقَلْبِ وحكمه على غيره بالسوء فَأَمَّا الْخَوَاطِرُ وَحَدِيثُ النَّفْسِ فَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ بل الشك أيضاً مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَلَكِنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ أَنْ يَظُنَّ وَالظَّنُّ عِبَارَةٌ عَمَّا تَرْكَنُ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَيَمِيلُ إليه القلب

فقد قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثم وَسَبَبُ تَحْرِيمِهِ أَنَّ أَسْرَارَ الْقُلُوبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا عَلَّامُ الْغُيُوبِ فَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَعْتَقِدَ فِي غَيْرِكَ سُوءًا إِلَّا إِذَا انْكَشَفَ لَكَ بعيان لا يقبل التأويل فعند ذلك لا يمكنك إلا أن تعتقد ما علمته وشاهدته وما لم تشاهده بعينك ولم تسمعه بأذنك ثم وقع في قلبك فَإِنَّمَا الشَّيْطَانُ يُلْقِيهِ إِلَيْكَ فَيَنْبَغِي أَنْ تُكَذِّبَهُ فَإِنَّهُ أَفْسَقُ الْفُسَّاقِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فلا يجوز تصديق إبليس وإن كان ثم مخيلة تدل على فساد واحتمل خلافه لم يجز أن تصدق به لأن الفاسق يتصور أن بصدق في خيره ولكن لا يجوز لك أن تصدق به حتى إن من استنكه فوجد منه رائحة الخمر لا يجوز أن يحد إذ يقال يمكن أن يكون قد تمضمض بالخمر ومجها وما شربها أو حمل عليه قهراً فكل ذلك لا محالة دلالة محتملة فلا يجوز تصديقها بالقلب

<<  <  ج: ص:  >  >>