للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإساءة الظن بالمسلم بها وقد قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِنَ الْمُسْلِمِ دَمَهُ وَمَالَهُ وَأَنْ يُظَنَّ به ظن السوء (١) فلا يستباح ظن السوء إلا بما يستباح به المال وهو نفس مشاهدته أو بينة عادلة فإذا لم يكن كذلك وخطر لَكَ وَسْوَاسُ سُوءِ الظَّنِّ فَيَنْبَغِي أَنْ تَدْفَعَهُ عَنْ نَفْسِكَ وَتُقَرِّرَ عَلَيْهَا أَنَّ حَالَهُ عِنْدَكَ مَسْتُورٌ كَمَا كَانَ وَأَنَّ مَا رَأَيْتَهُ مِنْهُ يَحْتَمِلُ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ فَإِنْ قُلْتَ فَبِمَاذَا يُعْرَفُ عقد الظن والشكوك تختلج والنفس تحدث فتقول أمارة عقد سوء الظَّنِّ أَنْ يَتَغَيَّرَ الْقَلْبُ مَعَهُ عَمَّا كَانَ فَيَنْفِرَ عَنْهُ نُفُورًا مَا وَيَسْتَثْقِلَهُ وَيَفْتُرَ عَنْ مراعاته وتفقده وإكرامه والاغتمام بسببه فهذه أمارات عقد الظن وتحقيقه

وقد قال صلى الله عليه وسلم ثلاث في المؤمن وله منهن مخرج فمخرجه من سوء الظن أن لا يحققه (٢) أي لا يحققه فِي نَفْسِهِ بِعَقْدٍ وَلَا فِعْلٍ لَا فِي القلب ولا في الجوارح أما في القلب فبتغيره إلى النفرة والكراهة وأما في الجوارح فبالعمل بموجبه والشيطان قد يقرر على القلب بأدنى مخيلة مساءة الناس ويلقي إليه أن هذا من فطنتك وسرعة فهمك وَذَكَائِكَ وَأَنَّ الْمُؤْمِنَ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ عَلَى التَّحْقِيقِ نَاظِرٌ بِغُرُورِ الشَّيْطَانِ وَظُلْمَتِهِ

وأما إذا أخبرك به عدل فمال ظنك إلى تصديقه كنت معذورا لأنك لو كذبته لكنت جانياً على هذا العدل إذ ظننت به الكذب وذلك أيضاً من سوء الظن فلا ينبغي أن تحسن الظن بواحد وتسيء بالآخر نعم ينبغي أن تبحث هل بينهما عداوة ومحاسدة وتعنت فتتطرق التهمة بسببه فقد رد الشرع شهادة الأب العدل للولد للتهمة ورد شهادة العدو (٣) فلك عند ذلك أن تتوقف وإن كان عدلاً فلا تصدقه ولا تكذبه ولكن تقول في نفسك المذكور حاله كان عندي في ستر الله تعالى وكان أمره محجوباً عني وقد بقي كما كان لم ينكشف لي شيء من أمره وقد يكون الرجل ظاهره العدالة ولا محاسدة بينه وبين المذكور ولكن قد يكون من عادته التعرض للناس وذكر مساويهم فهذا قد يظن أنه عدل وليس بعدل فإن المغتاب فاسق وإن كان ذلك من عادته ردت شهادته إلا أن الناس لكثرة الاعتياد تساهلوا في أمر الغيبة ولم يكترثوا بتناول أعراض الخلق ومهما خطر لك خاطر بسوء على مسلم فينبغي أن تزيد في مراعاته وتدعو له بالخير فإن ذلك يغيظ الشيطان ويدفعه عنك فلا يلقى إليك الخاطر السوء خيفة من اشتغالك بالدعاء والمراعاة

وَمَهْمَا عَرَفْتَ هَفْوَةَ مُسْلِمٍ بِحُجَّةٍ فَانْصَحْهُ فِي السِّرِّ وَلَا يَخْدَعَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَيَدْعُوَكَ إِلَى اغْتِيَابِهِ وإذا وعظته فلا تعظه وأنت مسرور باطلاعك على نقصه لينظر إليك بعين التعظيم وتنظر إليه بعين الاستحقار وتترفع عليه بإيذاء الوعظ وليكن قصدك تخليصه من الإثم وأنت حزين كما تحزن على نفسك إذا دخل عليلا نقصان في دينك وينبغي أن يكون تركه لذلك من غير نصحك أحب إليك من تركه بالنصيحة فإذا أنت فعلت ذلك كنت قد جمعت بين أجر الوعظ وأجر الغم بمصيبته وأجر الإعانة له على دينه


(١) حديث إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِنَ الْمُسْلِمِ دَمَهُ وَمَالَهُ وأن يظن به ظن السوء أخرجه البيهقي في الشعب من حديث ابن عباس بسند ضعيف ولابن ماجه نحوه من حديث ابن عمر
(٢) حديث ثلاث في المؤمن وله منهن مخرج أخرجه الطبراني من حديث حارثة بن النعمان بسند ضعيف
(٣) حديث رد الشرع شهادة الوالد العدل وشهادة العدو أخرجه الترمذي من حديث عائشة وضعفه لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا مجلود حدا ولا ذي غمر لأخيه {وفيه} ولا ظنين في ولاء ولا قرابة ولأبي داود وابن ماجه بإسناد جيد من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد شهادة الخائن والخائنة وذي الغمر على أخيه

<<  <  ج: ص:  >  >>