للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْ ثَمَرَاتِ سُوءِ الظَّنِّ التَّجَسُّسُ فَإِنَّ الْقَلْبَ لَا يَقْنَعُ بِالظَّنِّ وَيَطْلُبُ التَّحْقِيقَ فَيَشْتَغِلُ بِالتَّجَسُّسِ وَهُوَ أَيْضًا مَنْهِيٌّ عَنْهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ولا تجسسوا فَالْغِيبَةُ وَسُوءُ الظَّنِّ وَالتَّجَسُّسُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَعْنَى التَّجَسُّسِ أَنْ لَا يَتْرُكَ عِبَادَ اللَّهِ تَحْتَ سِتْرِ اللَّهِ فَيَتَوَصَّلُ إِلَى الِاطِّلَاعِ وَهَتْكِ السِّتْرِ حَتَّى يَنْكَشِفَ لَهُ مَا لَوْ كَانَ مَسْتُورًا عَنْهُ كَانَ أَسْلَمَ لِقَلْبِهِ ودينه وقد ذكرنا فِي كِتَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ حُكْمُ التَّجَسُّسِ وَحَقِيقَتُهُ

بيان الأعذار المرخصة في الغيبة

اعلم أن المرخص في ذكر مساوي الغير هو غرض صحيح في الشرع لا يمكن التوصل إليه إلا به فيدفع ذلك إثم الغيبة وهي ستة أمور

الأول التظلم فإن من ذكر قاضياً بالظلم والخيانة وأخذ الرشوة كان مغتاباً عاصياً إن لم يكن مظلوماً أما المظلوم من جهة القاضي فله أن يتظلم إلى السلطان وينسبه إلى الظلم إذ لا يمكنه استيفاء حقه إلا به قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لِصَاحِبِ الحق مقالاً (١)

وقال عليه السلام مطل الغنى ظلم (٢)

وقال عليه السلام لي الواجد يحل عقوبته وعرضه (٣)

الثاني الِاسْتِعَانَةُ عَلَى تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ وَرَدِّ الْعَاصِي إِلَى منهج الصلاح كما روي أن عمر رضي الله عنه مر على عثمان وقيل على طلحة رضي الله عنه فسلم عليه فلم يرد السلام فذهب إلى أبي بكر رضي الله عنه فذكر له ذلك فجاء أبو بكر إليه ليصلح ذلك ولم يكن ذلك غيبة عندهم وكذلك لما بلغ عمر رضي الله عنه أن أبا جندل قد عاقر الخمر بالشام كتب إليه بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب الآية فتاب ولم ير ذلك عمر ممن أبلغه غيبة إذ كان قصده أن ينكر عليه ذلك فينفعه نصحه ما لا ينفعه نصح غيره وإنما إباحة هذا بالقصد الصحيح فإن لم يكن ذلك هو المقصود كان حراماً

الثالث الِاسْتِفْتَاءُ كَمَا يَقُولُ لِلْمُفْتِي ظَلَمَنِي أَبِي أَوْ زوجتي أو أخي فكيف طريقي في الخلاص والأسلم التعريض بأن يقول ما قولك في رجل ظلمه أبوه أو أخوه أو زوجته ولكن التعيين مباح بهذا القدر لِمَا رُوِيَ عَنْ هند بنت عتبة أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أبا سفيان رَجُلٌ شَحِيحٌ لَا يُعْطِينِي مَا يكفيني أنا وَوَلَدِي أَفَآخُذُ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ فَقَالَ خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ (٤) فَذَكَرَتِ الشُّحَّ وَالظُّلْمَ لها ولولدها ولم يزجرها صلى الله عليه وسلم إذ كان قصدها الاستفتاء

الرابع تحذير المسلم من الشر فإذا رأيت فقيهاً يتردد إلى مبتدع أو فاسق وخفت أن تتعدى إليه بدعته وفسقه فلك أن تكشف له بدعته وفسقه مهما كان الباعث لك الخوف عليه من سراية البدعة والفسق لا غيره وذلك موضع الغرور إذ قد يكون الحسد هو الباعث ويلبس الشيطان ذلك بإظهار الشفقة على الخلق وكذلك من اشترى مملوكاً وقد عرفت المملوك بالسرقة أو بالفسق أو بعيب آخر فلك أن تذكر ذلك فإن سكوتك ضرر المشترى وفي ذكرك ضرر العبد والمشترى أولى بمراعاة جانبه وكذلك المزكي إذا سئل عن الشاهد فله الطعن فيه إن علم مطعناً وَكَذَلِكَ الْمُسْتَشَارُ فِي التَّزْوِيجِ وَإِيدَاعِ الْأَمَانَةِ لَهُ أَنْ يَذْكُرَ مَا يَعْرِفُهُ عَلَى قَصْدِ النُّصْحِ للمستشير لا على قصد


(١) حديث لصاحب الحق مقال متفق عليه من حديث أبي هريرة
(٢) حديث مطل الغنى ظلم متفق عليه من حديثه
(٣) حديث لي الواحد يحل عرضه وعقوبته أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث الشريد بإسناد صحيح
(٤) حديث إن هندا قالت إن أبا سفيان رجل شحيح متفق عليه من حديث عائشة

<<  <  ج: ص:  >  >>