للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن شهوات الدنيا إلا من كان في قلبه ما يشغله بالآخرة وقال مالك بن دينار اصطلحنا على حب الدنيا فلا يأمر بعضنا بعضاً ولا ينهى بعضنا بعضاً ولا يدعنا الله على هذا فليت شعري أي عذاب الله ينزل علينا وقال أبو حازم يسير الدنيا يشغل عن كثير الآخرة وقال الحسن أهينوا الدنيا فو الله ما هي لأحد بأهنأ منها لمن أهانها

وقال أيضاً إذا أراد الله بعبد خيراً أعطاه من الدنيا عطية ثم يمسك فإذا نفذ أعاد عليه وإذا هان عليه عبد بسط له الدنيا بسطاً وكان بعضهم يقول في دعائه يا ممسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنك أمسك الدنيا عني وقال محمد بن المنكدر أرأيت لو أن رجلاً صام الدهر لا يفطر وقام الليل لا ينام وتصدق بماله وجاهد في سبيل الله واجتنب محارم الله غير أنه يؤتى به يوم القيامة فيقال إن هذا عظم في عينه ما صغره الله وصغر في عينه ما عظمه الله كيف ترى يكون حاله فمن منا ليس هكذا الدنيا عظيمة عنده مع ما اقترفنا من الذنوب والخطايا وقال أبو حازم اشتدت مؤنة الدنيا والآخرة فأما مؤنة الآخرة فإنك لا تجد عليها أعواناً وأما مؤنة الدنيا فإنك لا تضرب بيدك إلى شيء منها إلا وجدت فاجراً قد سبقك إليه وقال أبو هريرة الدنيا موقوفة بين السماء والأرض كالشن البالي تنادي ربها منذ خلقها إلى يوم يفنيها يا رب يا رب لم تبغضني فيقول لها اسكتي يا لا شيء وقال عبد الله بن المبارك حب الدنيا والذنوب في القلب قد احتوشته فمتى يصل الخير إليه وقال وهب بن منبه من فرح قلبه بشيء من الدنيا فقد أخطأ الحكمة ومن جعل شهوته تحت قدميه فرق الشيطان من ظله ومن غلب علمه هواه فهو الغالب وقيل لبشر مات فلان فقال جمع الدنيا وذهب إلى الآخرة ضيع نفسه قيل له إنه كان يفعل ويفعل وذكروا أبواباً من البر فقال وما ينفع هذا وهو يجمع الدنيا وقال بعضهم الدنيا تبغض إلينا نفسها ونحن نحبها فكيف لو تحببت إلينا وقيل لحكيم الدنيا لمن هي قال لمن تركها فقيل الآخرة لمن هي قال لمن طلبها وقال حكيم الدنيا دار خراب وأخرب منها قلب من يعمرها والجنة دار عمران وأعمر منها قلب من يطلبها وقال الجنيد كان الشافعي رحمه الله من المريدين الناطقين بلسان الحق في الدنيا وعظ أخاً له في الله وخوفه بالله فقال يا أخي إن الدنيا دحض مزلة ودار مذلة عمرانها إلى الخراب صائر وساكنها إلى القبور زائر شملها على الفرقة موقوف وغناها إلى الفقر مصروف الإكثار فيها إعسار والإعسار فيها يسار فافزع إلى الله وارض برزق الله لا تتسلف من دار بقائك إلى دار فنائك فإن عيشتك فيء زائل وجدار مائل أكثر من عملك وأقصر من أملك وقال إبراهيم بن أدهم لرجل أدرهم في المنام أحب إليك أم دينار في اليقظة فقال دينار في اليقظة فقال كذبت لأن الذي تحبه في الدنيا كأنك تحبه في المنام والذي لا تحبه في الآخرة كأنك لا تحبه في اليقظة وعن إسماعيل بن عياش قال كان أصحابنا يسمون الدنيا خنزيرة فيقولون إليك عنا يا خنزيرة فلو وجدوا لها أسماء أقبح من هذا لسموها به وقال كعب لتحببن إليكم الدنيا حتى تعبدوها وأهلها وقال يحيى بن معاذ الرازي رحمه الله العقلاء ثلاثة من ترك الدنيا قبل أن تتركه وبنى قبره قبل أن يدخله وأرضى خالقه قبل أن يلقاه وقال أيضاً الدنيا بلغ شؤمها أن تمنيك لما يلهيك عن طاعة الله فكيف الوقوع فيها وقال بكر بن عبد الله من أراد أن يستغني عن الدنيا بالدنيا كان كمطفيء النار بالتبن وقال بندار إذا رأيت أبناء الدنيا يتكلمون في الزهد فاعلم أنهم في سخرة الشيطان وقال أيضاً من أقبل على الدنيا أحرقته نيرانها يعني الحرص حتى يصير رماداً ومن أقبل على الآخرة صفته بنيرانها فصار سبيكة ذهب ينتفع به ومن أقبل على الله عز وجل أحرقته نيران التوحيد فصار جوهراً لا حد لقيمته وقال علي كرم الله وجهه إنما الدنيا ستة أشياء مطعوم ومشروب وملبوس ومركوب

<<  <  ج: ص:  >  >>