والآخرة ضرتان فبقدر ما ترضى إحداهما تسخط الأخرى وقال الحسن والله لقد أدركت أقواماً كانت الدنيا أهون عليهم من التراب الذي تمشون عليه ما يبالون أشرقت الدنيا أم غربت ذهبت إلى ذا أو ذهبت إلى ذا وقال رجل للحسن ما تقول في رجل آتاه الله مالاً فهو يتصدق منه ويصل منه أيحسن له أن يتعيش فيه يعني يتنعم فقال لا لو كانت له الدنيا كلها ما كان له منها إلا الكفاف ويقدم ذلك ليوم فقره وقال الفضيل لو أن الدنيا بحذافيرها عرضت على حلالاً لا أحاسب عليها في الآخرة لكنت أتقذرها كما يتقذر أحدكم الجيفة إذا مر بها أن تصيب ثوبه وقيل لما قدم عمر رضي الله عنه الشام فاستقبله أبو عبيدة بن الجراح على الناقة مخطومة بحبل فسلم وسأله ثم أتى منزله فلم ير فيه إلا سيفه وترسه ورحله فقال له عمر رضي الله عنه لو اتخذت متاعاً فقال يا أمير المؤمنين إن هذا يبلغنا المقيل
وقال سفيان خذ من الدنيا لبدنك وخذ من الآخرة لقلبك
وقال الحسن والله لقد عبدت بنو إسرائيل الأصنام بعد عبادتهم الرحمن بحبهم الدنيا
وقال وهب قرأت في بعض الكتب الدنيا غنيمة الأكياس وغفلة الجهال لم يعرفوها حتى خرجوا منها فسألوا الرجعة فلم يرجعوا وقال لقمان لابنه يا بني إنك استدبرت الدنيا من يوم نزلتها واستقبلت الآخرة فأنت إلى دار تقرب منها أقرب من دار تباعد عنها وقال سعيد بن مسعود إذا رأيت العبد تزداد دنياه وتنقص آخرته وهو به راض فذلك المغون الذي يلعب بوجهه وهو لا يشعر وقال عمرو بن العاص على المنبر والله ما رأيت قوماً قط أرغب فيما كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يزهد فيه منكم والله ما مر برسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث إلا والذي عليه أكثر من الذي له (١)
وقال الحسن بعد أن تلا قوله تعالى {فلا تغرنكم الحياة الدنيا} من قال ذا قاله من خلقها ومن هو أعلم بها إياكم وما شغل من الدنيا فإن الدنيا كثيرة الأشغال لا يفتح رجل على نفسه باب شغل إلا أوشك ذلك الباب أن يفتح عليه عشرة أبواب وقال أيضاً مسكين ابن أدم رضي بدار حلالها حساب وحرامها عذاب إن أخذه من حله حوسب به وإن أخذه من حرام عذب به ابن آدم يستقل ماله ولا يستقل عمله يفرح بمصيبته في دينه ويجزع من مصيبته في دنياه وكتب الحسن إلى عمر بن عبد العزيز سلام عليك أما بعد فكأنك بآخر من كتب عليه الموت قد مات فأجابه عمر سلام عليك كأنك بالدنيا ولم تكن وكأنك بالآخرة لم تزل وقال الفضيل بن عياض الدخول في الدنيا هين ولكن الخروج منها شديد وقال بعضهم عجباً لمن يعرف أن الموت حق كيف يفرح وعجباً لمن يعرف أن النار حق كيف يضحك وعجبا لمن رأى تقلب الدنيا بأهلها كيف يطمئن إليها وعجباً لمن يعلم أن القدر حق كيف ينصب وقدم على معاوية رضي الله عنه رجل من نجران عمره مائتا سنة فسأله عن الدنيا كيف وجدها فقال سنيات بلاء وسنيات رخاء يوم فيوم وليلة فليلة يولد ولد ويهلك هالك فلولا المولود لباد الخلق ولولا الهالك ضاقت الدنيا بمن فيها فقال له سل ما شئت قال عمر مضى فترده أو أجل حضر فتدفعه قال لا أملك ذلك قال لا حاجة لي إليك وقال داود الطائي رحمه الله يا ابن آدم فرحت ببلوغ أملك وإنما بلغته بانقضاه أجلك ثم سوفت بعملك كان منفعته لغيرك وقال بشر من سأل الله الدنيا فإنما يسأله طول الوقوف بين يديه وقال أبو حازم ما في الدنيا شيء يسرك إلا وقد ألصق الله إليه شيئاً يسوءك وقال الحسن لا تخرج نفس ابن آدم من الدنيا إلا بحسرات ثلاث أنه لم يشبع مما جمع ولم يدرك ما أمل ولم يحسن الزاد لما يقدم عليه وقيل لبعض العباد قد نلت الغنى فقال إنما نال الغنى من عتق من رق الدنيا وقال أبو سليمان لا يصبر
(١) حديث عمرو بن العاص والله ما رأيت قوماً قط أرغب فيما كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يزهد فيه منكم الحديث أخرجه الحاكم وصححه ورواه أحمد وابن حبان بنحوه