للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الهوى فإن الجنة هي المأوى وَمَجَامِعُ الْهَوَى خَمْسَةُ أُمُورٍ وَهِيَ مَا جَمَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأموال والأولاد وَالْأَعْيَانُ الَّتِي تَحْصُلُ مِنْهَا هَذِهِ الْخَمْسَةُ سَبْعَةٌ يَجْمَعُهَا قَوْلُهُ تَعَالَى زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحياة الدنيا فقد عرفت أن كل ما هو لله فليس من الدنيا وقدر ضرورة القوت وما لا بد منه من مسكن وملبس هو لله إن قصد به وجه الله والاستكثار منه تنعم وهو لغير الله وبين التنعم والضرورة درجة يعبر عنها بالحاجة ولها طرفان وواسطة طرف يقرب من حد الضرورة فلا يضر فإن الاقتصار على حد الضرورة غير ممكن وطرف يزاحم جانب التنعم ويقرب منه وينبغي أن يحذر منه وبينهما وسائط متشابهة ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه

والحزم في الحذر والتقوى والتقرب من حد الضرورة ما أمكن اقتداء بالأنبياء والأولياء عليهم السلام إذا كانوا يردون أنفسهم إلى حد الضرورة حتى إن أويسا القرنى كان يظن أهله أنه مجنون لشدة تضييقه على نفسه فبنوا له بيتاً على باب دارهم فكان يأتي عليهم السنة والسنتان والثلاث لا يرون له وجهاً وكان يخرج أول الآذان ويأتي إلى منزله بعد العشاء الآخرة وكان طعامه أن يلتقط النوى وكلما أصاب حشفة خبأها لإفطاره وإن لم يصب ما يقوته من الحشف باع النوى واشترى بثمنه ما يقوته وكان لباسه مما يلتقط من المزابل من قطع الأكسية فيغسلها في الفرات ويلفق بعضها إلى بعض ثم يلبسها فكان ذلك لباسه وكان ربما مر الصبيان فيرمونه ويظنون أنه مجنون فيقول لهم يا أخوتاه إن كنتم ولا بد أن ترموني فارموني بأحجار صغار فإني أخاف أن تدموا عقبي فيحضر وقت الصلاة ولا أصيب الماء فهكذا كانت سيرته ولقد عظم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره فقال إني لأجد نفس الرحمن من جانب اليمن إشارة إليه رحمه الله (١) ولما ولي الخلافة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال أيها الناس من كان منكم من العراق فليقم قالوا فقاموا فقال اجلسوا إلا من كان من أهل الكوفة فجلسوا فقال اجلسوا إلا من كان من مراد فجلسوا فقال اجلسوا إلا من كان من قرن فجلسوا كلهم إلا رجلاً واحداً فقال له عمر أقرني أنت فقال نعم فقال أتعرف أويس بن عامر القرني فوصفه له فقال نعم وما ذاك تسأل عنه يا أمير المؤمنين والله ما فينا أحمق منه ولا أجن منه ولا أوحش منه ولا أدنى منه فبكى عمر رضي الله تعالى عنه ثم قال ما قلت ما قلت إلا لأني سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر (٢)

فقال هرم بن حيان لما سمعت هذا القول من عمر بن الخطاب قدمت الكوفة فلم يكن لي هم إلا أن أطلب أويساً القرني وأسأل عنه حتى سقطت عليه جالسا على شاطيء الفرات نصف النهار يتوضأ ويغسل ثوبه فعرفته بالنعت الذي نعت لي فإذا رجل لحيم شديد الأدمة محلوق الرأس كث اللحية متغير جداً كريه الوجه متهيب المنظر قال فسلمت عليه فرد علي السلام ونظر إلي فقلت حياك الله من رجل ومددت يدي لأصافحه فأبى أن يصافحني فقلت رحمك الله يا أويس وغفر لك كيف أنت رحمك الله ثم خنقتني العبرة من حبي إياه ورقتي عليه إذ رأيت من حاله ما رأيت حتى بكيت وبكى فقال وأنت فحياك الله يا هرم بن حيان كيف أنت يا أخي ومن دلك علي قال قلت الله فقال


(١) إني لأجد نفس الرحمن من جانب اليمن أشار به إلى أويس القرني تقدم في قواعد العقائد لم أجد له أصلا
(٢) حديث عمر يدخل الجنة في شفاعته مثل ربيعة ومضر يريد أويسا ورويناه في جزء ابن السماء من حديث أبي أمامة يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة ومضر وإسناده حسن وليس فيه ذكر لأويس بل في آخره فكان المشيخة يرون أن ذلك الرجل عثمان بن عفان

<<  <  ج: ص:  >  >>