وقد قيل أيضاً
حتى متى أنا في حل وترحال ... وطول سعي وإدبار وإقبال
ونازح الدار لا أنفك مغترباً ... عن الأحبة لا يدرون ما حالي
بمشرق الأرض طوراً ثم مغربها ... لا يخطر الموت من حرصي على بالي
ولو قنعت أتاني الرزق في دعه ... إن القنوع الغنى لا كثرة المال
وقال عمر رضي الله عنه ألا أخبركم بما أستحل من مال الله تعالى حلتان لشتائي وقيظي وما يسعني من الظهر لحجي وعمرتي وقوتي بعد ذلك كقوت رجل من قريش لست بأرفعهم ولا بأوضعهم فوالله ما أدري أيحل ذلك أم لا كأنه شك في أن هذا القدر هل هو زيادة على الكفاية التي تجب القناعة بها وعاتب أعرابي أخاه على الحرص فقال يا أخي أنت طالب ومطلوب يطلبك من لا تفوته وتطلب أنت ما قد كفيته وكأن ما غاب عنك قد كشف لك وما أنت فيه قد نقلت عنه كأنك يا أخي لم تر حريصاً محروماً وزاهداً مرزوقاً
وفي ذلك قيل
أراك يزيدك الإثراء حرصاً ... على الدنيا كأنك لا تموت
فهل لك غاية إن صرت يوماً ... إليها قلت حسبي قد رضيت
وقال الشعبي حكي أن رجلاً صاد قنبرة فقالت ما تريد أن تصنع بي قال أذبحك وآكلك قالت والله ما أشفى من قرم ولا أشبع من جوع ولكن أعلمك ثلاث خصال هي خير لك من أكلي أما واحدة فأعلمك وأنا في يدك وأما الثانية فإذا صرت على الشجرة وأما الثالثة فإذا صرت على الجبل قالت هات الأولى قالت لا تلهفن على ما فاتك فخلاها فلما صارت على الشجرة قال هات الثانية لا تصدقن بما لا يكون أنه يكون ثم طارت فصارت على الجبل فقالت يا شقي لو ذبحتني لأخرجت من حوصلتي درتين زنة كل درة عشرون مثقالاً قال فعض على شفته وتلهف وقال هات الثالثة قالت أنت قد نسيت اثنتين فكيف أخبرك بالثالثة ألم أقل لك لا تلهفن على ما فاتك ولا تصدقن بما لا يكون أن يكون أنا لحمي ودمي وريشي لا يكون عشرين مثقالاً فكيف يكون في حوصلتي درتان كل واحدة عشرون مثقالاً ثم طارت فذهبت وهذا مثال لفرط طمع الآدمي فإنه يعميه عن درك الحق حتى يقدر ما لا يكون أنه يكون وقال ابن السماك إن الرجاء حبل في قلبك وقيد في رجلك فأخرج الرجاء من قلبك يخرج القيد من رجلك وقال أبو محمد اليزيدي دخلت على الرشيد فوجدته ينظر في ورقة مكتوب فيها بالذهب فلما رآني تبسم فقلت فائدة أصلح الله أمير المؤمنين قال نعم وجدت هذين البيتين في بعض خزائن بني أمية فاستحسنتهما وقد أضفت إليهما ثالثاً
وأنشدني
إذا سد باب عنك من دون حاجة ... فدعه لأخرى ينفتح لك بابها
فإن قراب البطن يكفيك ملؤه ... ويكفيك سوءات الأمور اجتنابها
ولا تك مبذالاً لعرضك واجتنب ... ركوب المعاصي يجتنبك عقابها
وقال عبد الله بن سلام لكعب ما يذهب العلوم من قلوب العلماء إذ وعوها وعقلوها قال الطمع وشره النفس وطلب الحوائج
وقال رجل للفضيل فسر لي قول كعب قال يطمع الرجل في الشيء يطلبه فيذهب عليه دينه وأما الشره فشره النفس في هذا حتى لا تحب أن يفوتها شيء ويكون لك إلى هذا حاجة وإلى هذا حاجة فإذا قضاها لك خرم أنفك وقادك حيث شاء واستمكن منك وخضعت له فمن حبك للدنيا سلمت عليه