للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا مررت به وعدته إذا مرض لم تسلم عليه لله عز وجل ولم تعده لله فلو لم يكن لك إليه حاجة كان خيراً لك

ثم قال هذا خير لك من مائة حديث عن فلان عن فلان قال بعض الحكماء من عجيب أمر الإنسان أنه لو نودي بدوام البقاء في أيام الدنيا لم يكن في قوى خلقته من الحرص على الجمع أكثر مما قد استعمله مع قصر مدة التمتع وتوقع الزوال وقال عبد الواحد بن زيد مررت براهب فقلت له من أين تأكل قال من بيدر اللطيف الخبير الذي خلق الرحا يأتيها بالطحين وأومأ بيده إلى رحا أضراسه فسبحان القدير الخبير

بيان علاج الحرص والطمع والدواء الذي يكتسب به صفة القناعة

اعلم أن هذا الدواء مركب من ثلاثة أركان الصبر والعلم والعمل ومجموع ذلك خمسة أمور

الأول وهو العمل الاقتصاد في المعيشة والرفق في الإنفاق فمن أراد عز القناعة فينبغي أن يسد عن نفسه أبواب الخروج ما أمكنه ويرد نفسه إلا ما لا بد له منه فمن كَثُرَ خَرْجُهُ وَاتَّسَعَ إِنْفَاقُهُ لَمْ تُمْكِنْهُ الْقَنَاعَةُ بل إن كان وحده فينبغي أن يقنع بثوب واحد خشن ويقنع بأي طعام كان ويقلل من الإدام ما أمكنه ويوطن نفسه عليه وإن كان له عيال فيرد كل واحد إلى هذا القدر فإن هذا القدر يتيسر بأدنى جهد ويمكن معه الإجمال في الطلب والاقتصاد في المعيشة وهو الأصل في القناعة ونعني به الرفق في الإنفاق وترك الخرق فيه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن الله يحب الرفق الأمر كله (١)

وقال صلى الله عليه وسلم ما عال من اقتصد (٢)

وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثٌ مُنْجِيَاتٌ خَشْيَةُ اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ وَالْقَصْدُ فِي الْغِنَى والفقر والعدل في الرضا والغضب (٣)

وروي أن رجلاً أبصر أبا الدرداء يلتقط حباً من الأرض وهو يقول إن من فقهك رفقك في معيشتك وقال ابن عباس رضي الله عنهما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الِاقْتِصَادُ وَحُسْنُ السَّمْتِ والهدى الصالح جزء من بضع وعشرين جزءاً من النبوة (٤)

وفي الخبر التدبير نصف المعيشة (٥)

وقال صلى الله عليه وسلم من اقْتَصَدَ أَغْنَاهُ اللَّهُ وَمَنْ بَذَّرَ أَفْقَرَهُ اللَّهُ ومن ذكر الله عز وجل أحبه الله (٦) أخرجه البزار من حديث طلحة بن عبيد الله دون قوله ومن ذكر الله أحبه الله وشيخه فيه عمران بن هارون البصري قال الذهبي شيخ لا يعرف حاله أتى بخبر منكر أي هذا الحديث ولأحمد وأبي يعلى في حديث لأبي سعيد ومن أكثر من ذكر الله أحبه الله (٧) حديث ذا أردت أمراً فعليك بالتؤدة حتى يجعل الله فيه فرجا ومخرجا رواه ابن المبارك في البر والصلة وقد تقدم // والتؤدة في الإنفاق من أهم الأمور

الثاني أنه إذا تيسر له في الحال ما يكفيه فلا ينبغي أن يكون شديد الاضطراب لأجل المستقبل ويعينه على ذلك قصر الأمل والتحقق بِأَنَّ الرِّزْقَ الَّذِي قُدِّرَ لَهُ لَا بُدَّ وأن يأتيه وإن لم يشتد حرصه فإن شدة الحرص ليست هي السبب لوصول الأرزاق بل ينبغي أن يكون واثقاً بوعد الله تعالى إذ قال عز وجل {وما من دابة في الأرض}


(١) حديث إن الله يحب الرفق في الأمر كله متفق عليه من حديث عائشة وقد تقدم
(٢) حديث ما عال من اقتصد أخرجه أحمد والطبراني من حديث ابن مسعود ورواه من حديث ابن عباس بلفظ مقتصد
(٣) حديث ثَلَاثٌ مُنْجِيَاتٌ خَشْيَةُ اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ وَالْقَصْدُ فِي الْغِنَى وَالْفَقْرِ وَالْعَدْلُ فِي الرِّضَا والغضب أخرجه البزار والطبراني وأبو نعيم والبيهقي في الشعب من حديث أنس بسند ضعيف
(٤) حديث ابن عباس الِاقْتِصَادُ وَحُسْنُ السَّمْتِ وَالْهَدْيُ الصَّالِحُ جُزْءٌ مِنْ بعض وعشرين جزءاً من النبوة أخرجه أبو داود من حديث ابن عباس مع تقديم وتأخير وقال السمت الصالح وقال من خمسة وعشرين ورواه الترمذي وحسنه من حديث عبد الله بن سرجس وقال التؤدة بدل الهدي الصالح وقال من أربعة
(٥) حديث التدبير نصف المعيشة رواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أنس وفيه خلاد بن عيسى جهله العقيلي ووثقه ابن معين
(٦) حديث من اقتصد أغناه الله الحديث
(٧) وقال صلى الله عليه وسلم إذا أردت أمراً فعليك بالتؤدة حتى يجعل الله لك فرجاً ومخرجاً

<<  <  ج: ص:  >  >>