للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{إلا على الله رزقها} وذلك لأن الشيطان يعده الفقر ويأمره بالفحشاء ويقول إن لم تحرص على الجمع والادخار فربما تمرض وربما تعجز وتحتاج إلى احتمال الذل في السؤال فلا يزال طول العمر يتعبه في الطلب خوفاً من الفقر ويضحك عليه في احتماله التعب نقداً مع الغفلة عن الله لتوهم تعب في ثاني الحال وربما لا يكون وفي مثله قيل

ومن ينفق الساعات في جمع ماله ... مخافة فقر فالذي فعل الفقر

وقد دخلا ابنا خالد عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لهما لا تيأسا من الرزق ما تهزهزت رؤوسكما فإن الإنسان تلده أمه أحمر ليس عليه قشر ثم يرزقه الله تعالى (١)

ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن مسعود وهو حزين فقال له لا تكثر همك ما قدر يكن وما ترزق يأتك (٢)

وقال صلى الله عليه وسلم ألا أيها الناس أجملوا في الطلب فإنه ليس لعبد إلا ما كتب له ولن يذهب عبد من الدنيا حتى يأتيه ما كتب له من الدنيا وهي راغمة (٣) حديث أبى الله أن يرزق عبده المؤمن إلا من حيث لا يحتسب أخرجه ابن حبان في الضعفاء من حديث علي بإسناد رواه ورواه ابن الجوزي في الموضوعات (٤) حديث عز المؤمن استغناؤه عن الناس أخرجه الطبراني في الأوسط والحاكم وصحح إسناده وأبو الشيخ في كتاب الثواب وأبو نعيم في الحلية من حديث سهل بن سعد أن جبريل قاله للنبي صلى الله عليه وسلم في أثناء حديث وفيه زفر بن سليمان عن محمد بن عيينة وكلاهما مختلف فيه وجعله القضاعي في مسند الشهاب من قول النبي صلى الله عليه وسلم ففي القناعة الحرية


(١) حديث لا تيأسا من الرزق ما تهزهزت رؤوسكما الحديث رواه ابن ماجه من حديث حبة وسواء ابني خالد وقد تقدم
(٢) حديث لا تكثر همك ما قدر يكن وما ترزق يأتك قاله لابن مسعود أخرجه أبو نعيم من حديث خالد بن رافع وقد اختلف في صحبته ورواه الأصفهاني في الترغيب والترهيب من رواية مالك بن عمرو المغافري مرسلا
(٣) حديث ألا أيها الناس أجملوا في الطلب الحديث تقدم قبل هذا بثلاثة عشر حديثا
ولا ينفك الإنسان عن الحرص إلا بحسن ثقته بتدبير الله تعالى في تقدير أرزاق العباد وأن ذلك يحصل لا محالة مع الإجمال في الطلب بل ينبغي أن يعلم أن رزق الله للعبد من حيث لا يحتسب أكثر قال الله تعالى {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب} فإذا انسد عليه باب كان ينتظر الرزق منه فلا ينبغي أن يضطرب قلبه لأجله وقال صلى الله عليه وسلم أبى الله أن يرزق عبده المؤمن إلا من حيث لا يحتسب
(٤) وقال سفيان اتق الله فما رأيت تقياً محتاجاً
أي لا يترك التقى فاقداً لضرورته بل يلقى الله في قلوب المسلمين أن يوصلوا إليه رزقه وقال المفضل الضبي قلت لأعرابي من أين معاشك قال نذر الحاج قلت فإذا صدروا فبكى وقال لو لم نعش إلا من حيث ندري لم نعش
وقال أبو حازم رضي الله عنه وجدت الدنيا شيئين شيئاً منهما هو لي فلن أعجله قبل وقته ولو طلبته بقوة السماوات والأرض وشيئاً منهما هو لغيري فلذلك لم أنله فيما مضى فلا أرجوه فيما بقى يمنع الذي لغيري مني كما يمنع الذي لي من غيري ففي أي هذين أفنى عمري فهذا دواء من جهة المعرفة لا بد منه لدفع تخويف الشيطان وإنذاره بالفقر
الثالث أن يعرف ما في القناعة من عز الاستغناء وما في الحرص والطمع من الذل فإذا تحقق عنده ذلك انبعثت رغبته إلى القناعة لأنه في الحرص لا يخلو من تعب وفي الطمع لا يخلو من ذل
وليس في القناعة إلا ألم الصبر عن الشهوات والفضول وهذا ألم لا يطلع عليه أحد إلا الله وفيه ثواب الآخرة وذلك مما يضاف إليه نظر الناس وفيه الوبال والمأثم ثم يفوته عز النفس والقدرة على متابعة الحق فإن من كثر طعمه وحرصه كثرت حاجته إلى الناس فلا يمكنه دعوتهم إلى الحق ويلزمه المداهنة وذلك يهلك دينه ومن لا يؤثر عز النفس على شهوة البطن فهو ركيك العقل ناقص الإيمان قال صلى الله عليه وسلم عز المؤمن استغناؤه عن الناس

<<  <  ج: ص:  >  >>