(٢) حديث لا تكثر همك ما قدر يكن وما ترزق يأتك قاله لابن مسعود أخرجه أبو نعيم من حديث خالد بن رافع وقد اختلف في صحبته ورواه الأصفهاني في الترغيب والترهيب من رواية مالك بن عمرو المغافري مرسلا (٣) حديث ألا أيها الناس أجملوا في الطلب الحديث تقدم قبل هذا بثلاثة عشر حديثا ولا ينفك الإنسان عن الحرص إلا بحسن ثقته بتدبير الله تعالى في تقدير أرزاق العباد وأن ذلك يحصل لا محالة مع الإجمال في الطلب بل ينبغي أن يعلم أن رزق الله للعبد من حيث لا يحتسب أكثر قال الله تعالى {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب} فإذا انسد عليه باب كان ينتظر الرزق منه فلا ينبغي أن يضطرب قلبه لأجله وقال صلى الله عليه وسلم أبى الله أن يرزق عبده المؤمن إلا من حيث لا يحتسب (٤) وقال سفيان اتق الله فما رأيت تقياً محتاجاً أي لا يترك التقى فاقداً لضرورته بل يلقى الله في قلوب المسلمين أن يوصلوا إليه رزقه وقال المفضل الضبي قلت لأعرابي من أين معاشك قال نذر الحاج قلت فإذا صدروا فبكى وقال لو لم نعش إلا من حيث ندري لم نعش وقال أبو حازم رضي الله عنه وجدت الدنيا شيئين شيئاً منهما هو لي فلن أعجله قبل وقته ولو طلبته بقوة السماوات والأرض وشيئاً منهما هو لغيري فلذلك لم أنله فيما مضى فلا أرجوه فيما بقى يمنع الذي لغيري مني كما يمنع الذي لي من غيري ففي أي هذين أفنى عمري فهذا دواء من جهة المعرفة لا بد منه لدفع تخويف الشيطان وإنذاره بالفقر الثالث أن يعرف ما في القناعة من عز الاستغناء وما في الحرص والطمع من الذل فإذا تحقق عنده ذلك انبعثت رغبته إلى القناعة لأنه في الحرص لا يخلو من تعب وفي الطمع لا يخلو من ذل وليس في القناعة إلا ألم الصبر عن الشهوات والفضول وهذا ألم لا يطلع عليه أحد إلا الله وفيه ثواب الآخرة وذلك مما يضاف إليه نظر الناس وفيه الوبال والمأثم ثم يفوته عز النفس والقدرة على متابعة الحق فإن من كثر طعمه وحرصه كثرت حاجته إلى الناس فلا يمكنه دعوتهم إلى الحق ويلزمه المداهنة وذلك يهلك دينه ومن لا يؤثر عز النفس على شهوة البطن فهو ركيك العقل ناقص الإيمان قال صلى الله عليه وسلم عز المؤمن استغناؤه عن الناس