للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الشيخ أبو سعد الحركوشي النيسابوري رحمه الله سمعت محمد بن محمد الحافظ يقول سمعت الشافعي المجاور بمكة يقول كان بمصر رجل عرف بأن يجمع للفقراء شيئاً فولد لبعضهم مولود قال فجئت إليه وقلت له ولد لي مولود وليس معي شيء فقام معي ودخل على جماعة فلم يفتح بشيء فجاء إلى قبر رجل وجلس عنده وقال رحمك الله كنت تفعل وتصنع وإني درت اليوم على جماعة فكلفتهم دفع شيء لمولود فلم يتفق لي شيء قال ثم قام وأخرج ديناراً وقسمه نصفين وناولني نصفه وقال هذا دين عليك إلى أن يفتح الله عليك بشيء قال فأخذته وانصرفت فأصلحت ما اتفق لي به قال فرأى ذلك المحتسب تلك الليلة ذلك الشخص في منامه فقال سمعت جميع ما قلت وليس لنا إذن في الجواب ولكن أحضر منزلي وقل لأولادي يحفروا مكان الكانون ويخرجوا قرابة فيها خمسمائة دينار فاحملها إلى هذا الرجل فلما كان من الغد تقدم إلى منزل الميت وقص عليهم القصة فقالوا له اجلس وحفروا الموضع وأخرجوا الدنانير وجاءوا بها فوضعوها بين يديه فقال هذا مالكم وليس لرؤياي حكم فقالوا هو يتسخى ميتاً ولا نتسخى نحن أحياء فلما ألحوا عليه حمل الدنانير إلى الرجل صاحب المولود وذكر له القصة قال فأخذ منها ديناراً فكسره نصفين فأعطاه النصف الذي أقرضه وحمل النصف الآخر وقال يكفيني هذا وتصدق به على الفقراء فقال أبو سعيد فلا أدري أي هؤلاء أسخى

وروي أن الشافعي رحمه الله لما مرض مرض موته بمصر قال مروا فلاناً يغسلني فلما توفي بلغه خبر وفاته فحضر وقال ائتوني بتذكرته فأتي بها فنظر فيها فإذا على الشافعي سبعون ألف درهم دين فكتبها على نفسه وقضاها عنه وقال هذا غسلي إياه أي أراد به هذا وقال أبو سعيد الواعظ الحركوشي لما قدمت مصر طلبت منزل ذلك الرجل فدلوني عليه فرأيت جماعة من أحفاده وزرتهم فرأيت فيهم سيما الخير وآثار الفضل فقلت بلغ أثره في الخير إليهم وظهرت بركته فيهم مستدلاً بقوله تعالى وكان أبوهما صالحاً وقال الشافعي رحمه الله لا أزال أحب حماد بن أبي سليمان لشيء بلغني عنه أنه كان ذات يوم راكباً حماره فحركه فانقطع زره فمر على الخياط فأراد أن ينزل إليه ليسوي زره فقال الخياط والله لا نزلت فقام الخياط إليه فسوى زره فأخرج إليه صرة فيها عشرة دنانير فسلمها إلى الخياط واعتذر إليه من قلتها وأنشد الشافعي رحمه الله لِنَفْسِهِ

يَا لَهْفَ قَلْبِي عَلَى مَالٍ أَجُودُ بِهِ ... عَلَى الْمُقِلِّينَ مِنْ أَهْلِ الْمُرُوءَاتِ

إِنَّ اعْتِذَارِي إِلَى مَنْ جَاءَ يَسْأَلُنِي ... مَا لَيْسَ عندي لمن إِحْدَى الْمُصِيبَاتِ

وَعَنْ الربيع بن سليمان قَالَ أَخَذَ رَجُلٌ بِرِكَابِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ يَا ربيع أَعْطِهِ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ وَاعْتَذِرْ إِلَيْهِ عني وقال الربيع سمعت الحميدي يقول قدم الشافعي من صنعاء إلى مكة بعشرة آلاف دينار فضرب خباءه في موضع خارج عن مكة ونثرها على ثوب ثم أقبل على كل من دخل عليه يقبض له قبضة ويعطيه حتى صلى الظهر ونفض الثوب وليس عليه شيء

وعن أبي ثور قال أراد الشافعي الخروج إلى مكة ومعه مال وكان قلما يمسك شيئاً من سماحته فقلت له ينبغي أن تشتري بهذا المال ضيعة تكون لك ولولدك قال فخرج ثم قدم علينا فسألته عن ذلك المال فقال ما وجدت بمكة ضيعة يمكنني أن أشتريها لمعرفتي بأصلها وقد وقف أكثرها ولكني بنيت بمنى مضربا يكون لأصحابنا إذا حجوا أن ينزلوا فيه وأنشد الشافعي رحمه الله لنفسه يقول

أرى نفسي تتوق إلى أمور ... يقصر دون مبلغهن مالي

فنفسي لا تطاوعني ببخل ... ومالي لا يبلغني فعالي

<<  <  ج: ص:  >  >>