للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله، فقلت: كذبت، فإن رسول الله قد أقرأنيها على غير ما قرأت.

فانطلقت به أقوده إلى رسول الله، فقلت: إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، فقال رسول الله: «أرسله. اقرأ يا هشام». فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله: «كذلك أنزلت».

ثم قال: اقرأ يا عمر، فقرأت القراءة التي أقرأني، فقال رسول الله: «كذلك أنزلت. إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسر منه» (١)، فالقرآن نزل بتلك الحروف التي قرأ بها عمر وبتلك التي قرأ بها هشام، واختلافهما ليس مرده الخطأ والنسيان، بل تسهيل الله على هذه الأمة الأمية قراءة كتابها.

ومثل هذا الموقف وقع لأُبي بن كعب حين دخل المسجد فسمع رجلاً يصلي ويقرأ قراءة أنكرها أُبي عليه، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فالتبس الأمر على أُبي، فدخل معهما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقرؤوا بين يديه، فحسن النبي - صلى الله عليه وسلم - شأنهما.

يقول أُبي: فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية.

فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قد غشيني ضرب في صدري، ففضت عرقاً وكأنما أنظر إلى الله عز وجل فرقاً، فقال لي: «يا أُبي أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف. فرددت إليه أن هوِّن على أمتي، فرد إلي الثانية: اقرأه على حرفين. فرددت إليه أن هوِّن على أمتي. فرد إلي الثالثة اقرأه على سبعة أحرف» (٢)، ففهم أُبي بن كعب حينذاك أن القرآن تنزل بهذه الحروف، وأن الخلاف بين الصحابة في بعض حروفه هو رخصة من الله أعطاها الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - تخفيفاً عليهم ورحمة بهم، ولذلك


(١) أخرجه البخاري ح (٤٩٩٢)، ومسلم ح (٨١٨).
(٢) أخرجه مسلم ح (٨٢٠).

<<  <   >  >>