فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً} (مريم: ١٧)، فنفخ في جيبها، فسرى المسيح في أحشائها، فالمسيح خلق بنفخة منه {فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا}(الأنبياء: ٩١).
وهذا المعنى الشريف ورد في حق آدم أيضاً الذي خلق من طين، ثم:{وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي}(الحجر: ٢٩)، فإضافة روحه عليه السلام إلى الله إضافة تشريف وتكريم، ولو أوجبت هذه الإضافة معنىً خارجاً عن الإنسانية؛ لكان آدم أولى بذلك من المسيح {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ الله كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}(آل عمران: ٥٩).
ثانياً: هل امتدح القرآن النصارى؟
قالوا: امتدح القرآن النصارى، وذكر بأنهم في الجنة في قوله:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}(البقرة: ٦٢).
والجواب: كما كان القرآن واضحاً في بيان وحدانية الله وعبودية المسيح وبشريته؛ كان صريحاً في إضلال القائلين بألوهيته وربوبيته وتكفيرهم، وهذا منثور في مواضع كثيرة من القرآن، منها قول الله تعالى:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ}(المائدة: ١٧)، وقوله:{لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ الله ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}(المائدة: ٧٣)، فهاتان الآيتان وغيرهما واضحتان في بيان كفر القائلين بعقيدة التثليث وألوهية المسيح.
ولكن هذا الحكم القرآني لا يسري على المسيح الذي تبرأ من هذه المعتقدات {وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا الله رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِالله فَقَدْ حَرَّمَ الله عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}(المائدة: ٧٢)، كما لا يسري الحكم بالكفر والنار على أتباعه المخلصين المؤمنين الذين آمنوا بالله وحده،