للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تبارك وتعالى (١).

ومما يؤكد أن مقصود القرآن بالكلمة؛ كلمة الله التي كانت سبباً في وجوده، لا المعنى الفلسفي الذي يزعمه النصارى (اللوغس) (٢) قوله تعالى: {إِنَّ الله يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} (آل عمران: ٤٥)، فهو كلمة من الله، وليس صفة الله الأزلية.

وأما قوله تبارك وتعالى عن المسيح {وروح منه} فلا يفيد أن المسيح روح الله أو حياته كما نطق بذلك فلاسفة المسيحية، لأن قوله: {منه} ليست للتبعيض، بل لابتداء الغاية، بمعنى صادرة عنه، فهي كقوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ} (الجاثية: ١٣)، أي خلقت منه.

ويجدر هنا التنبيه إلى أنه ليس من المسلمين أحدٌ يعتقد أن الروح صفة من صفات الله القائمة بذاته، بل الأرواح جميعاً مخلوقاته تبارك وتعالى، ونسبتها إليه من باب نسبة المخلوق إلى خالقه وموجده، وهو من باب التشريف، كقولنا: بيوت الله، شعب الله، وأمثالهما.

ولا يختص المسيح بأنه روح الله، فقد قال الله عن الصديقة البتول مريم: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا} (مريم: ١٧)، فالمراد بالروح في الآية جبريل - عليه السلام -، كما سماه الله عز وجل في آية أخرى روح القدس: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ} (النحل: ١٠٢)، وفي آية أخرى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} (الشعراء: ١٩٣)، وسبب تسميته بالروح أنه مخلوق روحي غير مادي.

وقد تمثل جبريل (روح الله) للعذراء في صورة رجل {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا


(١) انظر: الرد الجميل لإلهية عيسى بصريح الإنجيل، أبو حامد الغزالي، ص (١٦٦)، والداعي إلى الإسلام، ابن الأنباري، ص (٣٧٦).
(٢) ( logos) مصطلح لاهوتي مسيحي، يطلق على المسيح كلمة الله، بمعنى أنه عقل الله الناطق.

<<  <   >  >>