عمران: ٤٥ - ٤٧)، فصرحت الآيات أن المسيح {كَلِمَةٍ مِنْهُ}، وأكمل السياق القرآني فوصفه بأنه مخلوق {الله يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ}.
فكيف تكون كلمة الله مخلوقة مع يقيننا بأن القرآن كلام الله المنزل غير المخلوق؟
ولتقريب معنى "كلمة الله" نضرب مثلاً بعبارة "اضطهاد اليهود"، فهي تدل على معنيين متغايرين صحيحين:
الأول:"اضطهاد النازيين لليهود"، أي أنها تدل على المفعول.
الثاني:"اضطهاد اليهود للفلسطينيين"، أي أنها تدل على الفاعل.
وهكذا اختلفت دلالة العبارة بين هذين المعنيين.
ومثلها قولنا:"كلمة الله" فيمكن أن تدل على كلمة الله التي خلق بها الأشياء {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}(يس: ٨٢)، كما يمكن أن تدل على ما خُلق بهذه الكلمة {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ الله كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}(آل عمران: ٥٩)، والباحث عن الحق يختار منهما ما وافق السياق، وانسجم مع المعاني المحكمة؛ خلافاً لأصحاب القلوب المريضة الذين يختارون من المعاني ما يوافق أهواءهم؛ ولو خرج بالنصوص عن مساقها:{فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ}(آل عمران: ٧).
وسبب اختصاص المسيح بهذا الاسم الشريف دون غيره من المخلوقين بكلمة الله؛ أنه خلق من غير تدخل أبوي، خلق بأمر الله وكلمته التكوينية (كن)، ولما لم يكن للمسيح سبب بشري قريب ينسب إليه من جهة أبيه كغيره من الناس؛ فقد نُسب إلى السبب البعيد، وهو تخليقه بكلمة الله، التي تخلّق وفق إرادة الله