الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه واتبع هداه إلى يوم الدين، وبعد:
فإن الله أرسل الرسل لتقوم بهم حجته على خلقه، وأنزل عليهم كتبه؛ ملؤها الهدى والنور، ليقيموا بها شرعة الله ويهدوا بها إلى منهجه القويم {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}(الحديد: ٢٥).
ثم ختم الله رسالاته بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وأنزل عليه القرآن مصدقاً لما أنزله - من قبلُ - على إخوانه الأنبياء {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ الله لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالله عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ}(آل عمران: ٣ - ٤).
فالقرآن كتاب الله الأخير، وهو مصدق ومكمل لما أوحاه الله في كتب الأنبياء السابقين، وهو أيضاً مهيمن عليها {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ}(المائدة: ٤٨)، لكون هذه الكتب نزلت إلى أقوام مخصوصين في أزمنة معينة لإصلاح ذنوب وعيوب تلك الأمم، في حين أن القرآن مشتمل على كل ما تحتاجه الإنسانية إلى قيام الساعة، لأنه رسالة الله الخاتمة إلى الناس أجمعين على اختلاف أزمانهم وأمكنتهم {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِالله وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}(الأعراف: ١٥٨).
وحتى تبقى كلمة الله شاهدة على خلقه إلى يوم القيامة، فقد تكفل بحفظ كتابه الأخير {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(الحجر: ٩)، وهكذا أضحى القرآن الكتاب الوحيد المحفوظ بحفظ الله له {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ