ثانياً: هل تعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن من بَحيرا وورقة بن نوفل؟
قالوا: تعلم محمد [- صلى الله عليه وسلم -] من راهب نسطوري كان يقيم في مدينة بصرى في الشام، كما تعلم من ورقة بن نوفل وهو من علماء أهل الكتاب في مكة، وتربطه صلة قرابة بخديجة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -.
والجواب: تثور في وجه هذه الفرية وأمثالها أسئلة منطقية كثيرة: إذا كان القرآن منقولاً عن ورقة وبَحيرا فلم لم ينسباه إلى أنفسهما؟ ولم أمكنوا محمداً - صلى الله عليه وسلم - من ذلك؟ وكيف اطلع هؤلاء على علوم القرآن التي سجلت قصص الأولين والآخرين وحوت المبهر من أخبار الغيوب التي كشف عنها العلم الحديث اليوم؟
لو فرضنا أنه - صلى الله عليه وسلم - تعلم من بَحيرا وورقة أخبار السابقين، فماذا عن مئات الآيات التي نزلت بخصوص أحداث حصلت بعد وفاة بَحيرا وورقة بزمن طويل، فعالجها القرآن في حينها، كسورة آل عمران التي تتعلق ثمانون آية منها بقدوم نصارى نجران، وستون آية أخرى بأحداث غزوة أُحد، وسورة التوبة التي تحدثت عن أحداث تتعلق بغزوة تبوك، وسورة الأحزاب التي تناولت أيضاً أحداث تلك الغزوة، ومثل هذا كثير لا يخفى.
ويلزم هنا التنبيه إلى أن لقيا النبي - صلى الله عليه وسلم - الراهب بَحيرا إبَّان شبيبته ليس محل اتفاق المسلمين، فقد حسَّن رواية هذا الخبر بعض أهل العلم، وضعفها آخرون منهم (١).
(١) قصة لقيا النبي - صلى الله عليه وسلم - بحيرا أخرجها الحاكم في مستدركه (٢/ ٦٧٢)، قال: صحيح على شرط الشيخين، فتعقبه الذهبي في التلخيص بقوله: " أظنه موضوعاً، فبعضه باطل"، وأخرجه الترمذي ح (٣٦٢٠)، وقال: "حسن غريب"، وأبو نعيم الأصفهاني في معرفة الصحابة ح (١٢٠٢)، والطبري في تاريخه (٢/ ٢٨٧)، ونقلها ابن هشام في تهذيبه للسيرة (١/ ١٨٠).