للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد فضل الله يونس مع إخوانه الأنبياء على العالمين: {وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} (الأنعام: ٨٦).

وإنما أُتي القائل لهذه الشبهة من سوء فهمه للآية، فليس مقصودها أن يونس ظن أنه معجز الله بهربه، بل المعنى أنه ظن أن الله لن يقدر عليه، أي لن يضيق عليه ويلومه في ترك قومه حين لم يستجيبوا لدعوته، فهي كقول الله تعالى: {وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ الله} (الطلاق: ٧) أي ضُيِّق عليه، ومثله قوله تعالى: {الله يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقَدِرُ} (الرعد: ٢٦)، وهذا المعنى منقول عن ابن عباس - رضي الله عنه - وعن غيره من التابعين (١).

وحفاظاً على منزلة يونس بن متى في قلوب المؤمنين نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن تفضيل المرء نفسه على هذا النبي الكريم: «لا ينبغي لعبد أن يقول إنه خير من يونس بن متى» (٢)، وفي رواية: «من قال: أنا خير من يونس بن متى؛ فقد كذب» (٣)، فثبت بذلك براءة القرآن من فرية الإساءة إلى يونس عليه السلام.

رابعاً: همُّ يوسف عليه السلام

قالوا: نسب القرآن إلى الصديق يوسف عليه السلام الهمَّ في الخطيئة مع زوجة العزيز {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} (يوسف: ٢٤)، وقالوا: تمتلئ كتب التفسير بصور مشينة لهذا الهمِّ الفاسد الذي لا يليق بنبي كريم.

والجواب: لو قرأ الطاعنون في القرآن تمام الآية المستشكَلة لأدركوا منزلة يوسف الصديق وعصمة الله إياه من الذنب: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} (يوسف: ٢٤).


(١) انظر: تأويل مشكل القرآن، ابن قتيبة، ص (٤٠٨).
(٢) أخرجه البخاري ح (٣٣٩٦).
(٣) أخرجه البخاري ح (٤٦٠٤).

<<  <   >  >>