للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانياً: الأخطاء البيانية المزعومة

وإذا كان القرآن قد تحدى العرب ببلاغته زمن جزالة اللغة وحجية الناطقين بها؛ فإن بعض أعاجم العرب اليوم يزعمون أن في أساليب القرآن ما لا تجيزه العرب في كلامها، وكأني بهم لم يطلعوا على خبر لبيد بن ربيعة العامري صاحب إحدى المعلقات السبعة، وهو من فحول شعراء العرب، فقد سأله عمر بن الخطاب يوماً: أنشدني من شعرك. فقرأ له لبيد سورة البقرة، فقال: إنما سألتك عن شعرك، فقال: ما كنت لأقول بيتاً من الشعر بعد إذ علمني الله البقرة وآل عمران.

وقد ترك قول الشعر إعجاباً بالقرآن، حتى قيل أنه لم يقل بعد الإسلام إلا بيتاً واحداً، وهو قوله:

ما عاتب المرء الكريم كنفسه ... والمرء يصلحه القرين الصالح

وقيل بل قال:

الحمد لله إذ لم يأتني أجلي ... حتى اكتسيت من الإسلام سربالاً (١)

إن عظمة البيان القرآني دعت المستشرق بلاشير إلى الإشادة والإعجاب ببلاغة القرآن، وهو الذي لم يألُ جهداً في الطعن في القرآن ومعاداته في كتابه "القرآن: ترجمة جديدة" Le Coran: Traduction nouvelle)) ،، لكنه قال: "إن القرآن ليس معجزة بمحتواه وتعليمه فقط، إنه أيضاً يمكنه أن يكون قبل أي شيء آخر تحفة أدبية رائعة؛ تسمو على جميع ما أقرته الإنسانية وبجلته من التحف" (٢).

وإذا كان الأمر كذلك فلسوف نتوقف مع أهم ما استشكله عباقرة البيان في هذا العصر، ممن لا يفرق بين المرفوع والمنصوب، والمشبه والمشبه به:


(١) الجامع لأحكام القرآن، القرطبي (١/ ١٥٣)، وتاريخ المدينة المنورة، ابن شبة (٢/ ٦٧٩).
(٢) قالوا عن الإسلام، عماد الدين خليل، ص (٥٢).

<<  <   >  >>