للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الجمع الكتابي للقرآن الكريم]

إن تعاهد النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه في حفظ القرآن لا يوازيه شيء إلا عنايته بالتوثيق الكتابي للنص القرآني، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتعاهد ذلك بنفسه، والصحابة يكتبون بين يديه ما ينزل من الوحي، يقول عثمان - رضي الله عنه -: كان - صلى الله عليه وسلم - إذا نزلت عليه الآيات يدعو بعض من كان يكتب له، ويقول له: «ضع هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا» (١).

ولا يبطئهم عن ذلك ولا يثقلهم كثرة آيات المقدار المنزل، فقد سارعوا إلى كتابة سورة الأنعام حين نزولها، مع أنها من أطول سور القرآن، وأنها مكية نزلت زمن الاضطهاد، يقول ابن عباس: (نزلت جملة واحدة، نزلت ليلاً، وكتبوها من ليلتهم) (٢).

وفي قصة إسلام عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهو من السابقين إلى الإسلام ما يشير إلى وجود كتابة للمصحف بين يدي الصحابة الذين كانوا يقرؤون في بيت فاطمة بنت الخطاب، وكان خباب بن الأرت يقرئهم القرآن في صحيفة (٣).

وقد أولى النبي - صلى الله عليه وسلم - المكتوب بين يديه اهتماماً بالغاً، إذ كان يستوثق من دقة المكتوب بين يديه، يقول زيد بن ثابت: كنتُ أكتب الوحي عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يملي عليَّ، فإذا فرغت، قال: «اقرأه»، فأقرأُه، فإن كان فيه سقط أقامه (٤).

وخوفاً من تداخل المكتوب من القرآن مع غيره من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر - صلى الله عليه وسلم - أن: «لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه» (٥).


(١) أخرجه أبو داود ح (٧٨٦)، والترمذي ح (٣٠٨٦)، واللفظ لأبي داود.
(٢) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٣/ ١)، والقاسمي في محاسن التأويل (٦/ ٤٤٦).
(٣) أخرجه البزار ح (٢٧٩).
(٤) أخرجه الطبراني في الأوسط ح (١٩٨٥)، قال الهيثمي: "أخرجه الطبراني بإسنادين، ورجال أحدهما ثقات". مجمع الزوائد (٨/ ٢٥٧).
(٥) أخرجه مسلم ح (٣٠٠٤).

<<  <   >  >>