للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رابعاً: هل يتحسر الله؟

قالوا: نسب القرآن إلى الله التحسر في قوله: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون} (يس: ٣٠)، والتحسر أشد الندم، فهل الله يتحسر؟

والجواب: أن الآية لم تذكر مطلقاً صدور الحسرة من الله، بل تحكي تحسر الكافرين على تكذيبهم الرسل وهم يلقون في النار، ولو كان التحسر من الله ـ عياذاً بالله من هذا المعنى ـ فإن الله قادر على إخراجهم من النار وإدخالهم الجنة؛ فهذا أولى له من التحسر الذي يصنعه من لا يملك حيلة ولا دفعاً لما يتحسر عليه.

وهذا المعنى فهمه مفسرو الإسلام ونقلوه عن التابعين، قال ابن كثير: "قال قتادة: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ}: أي يا حسرة العباد على أنفسها على ما ضيعت من أمر الله، وفرطت في جنب الله ... ومعنى هذا: يا حسرتهم وندامتهم يوم القيامة إذا عاينوا العذاب، كيف كذبوا رسل الله، وخالفوا أمر الله" (١).

قال ابن عباس: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ} أي يا ويل العباد (٢).

ويصدق هذا قول الله تعالى: {أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} (الزمر: ٥٦)، فالمتحسر هو الكافر، لا الله عز وجل، فبطلت الشبهة واستبان الحق لمن ألقى السمع وهو شهيد.

والعجب أن كتب أصحاب هذه الشبهة لا تمل من كثرة نسبة التحسر والندم إلى الله تعالى، ومن ذلك أن الرب قال: "ندمتُ على أني جعلتُ شاول ملكاً، لأنه رجع من ورائي، ولم يقم كلامي " (صموئيل (١) ١٥/ ١٠)، وأنه رفع عن بني إسرائيل العذاب بيد أعدائهم "لأن الرب ندم من أجل أنينهم " (القضاة ٢/ ١٨).


(١) تفسير القرآن العظيم، ابن كثير (٦/ ٥٧٤).
(٢) المصدر السابق (٦/ ٥٧٤).

<<  <   >  >>