قالوا: تعرض النبي [- صلى الله عليه وسلم -] للسحر، وهذا يلقي بظلال الشك على ما أتى به من أخبار، إذ قد يكون بعض ما يقرأه على أنه من القرآن إنما هو من تأثير السحر، وهذا يوجب الشك في كل القرآن.
وقالوا: إن سحر النبي يدل على تسلط الشيطان عليه، وهذا يقدح في أهلية الرسول لحمل الرسالة الإلهية، فالقرآن يجزم أن الشيطان لا يتسلط إلا على أوليائه:{إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ}(النحل: ٩٩ - ١٠٠).
وفي الجواب نقول: إن الأنبياء بشر، يعرض لهم ما يعرض لسائر البشر من مرض وهم وحزن وغضب وابتلاء وقتل، ولا يمتازون عنهم إلا بما خصهم الله من الوحي وما يستلزمه ذلك من تأييد بالحجة والبرهان {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ}(فصلت: ٦).
وقد تعرض الأنبياء لصنوف البلاء التي صبها عليهم شياطين الإنس والجن {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}(الأنعام: ١١٢)، لكن هذا التسلط الشيطاني لم يجاوز أجسادهم، ولم يصل - لعصمة الله لهم- إلى أرواحهم؛ لأنهم أولياء الله تبارك وتعالى يصدق فيهم قوله تعالى:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ}(الحجر: ٤٢)، فلم يقع منهم كبير ذنب ولا قبيحه، لأنهم رسل الله، والرسول على قدر المرسِل.
ووفق هذا المبدأ يرفض المسلمون ما تطفح به كتب أهل الكتاب من اتهام الأنبياء بالزنا أو السكر أو عبادة الأصنام، فهذا كله إنما يقع بتسلط الشيطان، وهم معصومون منه بقوة الله وحفظه.