للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(*)

خامساً: هل في القرآن ما يدل على أنه من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -؟

قالوا: القرآن من كلام محمد [- صلى الله عليه وسلم -]، واستدلوا لذلك بقول القرآن: {قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظٍ} (الأنعام: ١٠٤)، فقوله: {وما أنا عليكم بحفيظ} يدل على أن الكلام من قول النبي [- صلى الله عليه وسلم -]، ولم يرد في السياق كلمة: (قل)، فدل ذلك بزعمهم على أن القرآن من كلام محمد - صلى الله عليه وسلم -.

الجواب: أن الآية وردت على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - بإجماع العلماء، قال الطبري: «وهذا أمر من الله جل ثناؤه نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم - أن يقول لهؤلاء الذين نبههم بهذه الآيات ... قل لهم يا محمد: قد جاءكم أيها العادلون بالله والمكذبون رسوله {بصائر من ربكم}» (١) وهو ليس عليهم بحفيظ {وما جعلناك عليهم حفيظاً} (الأنعام: ١٠٧)، وأما الله تبارك وتعالى فهو حفيظ على خلقه {إن ربي على كل شيءٍ حفيظٌ} (هود: ٥٧).

وهنا يتساءل الشانئون للقرآن: أين كلمة (قل) أو ما يرادفها في السياق مما يدل على أن الكلام لنبينا - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنها لم ترد في النص القرآني، وقد جهلوا - كرة أخرى - طريقة القرآن في طوي المعلوم من الكلام بداهة، فالقرآن كلام الله للعقلاء، الذين يفهمون المضمر والمقدر من السياق.

وشواهد انتقال الخطاب في الكلام من غير ذكر صريح يدل عليه؛ كثير في القرآن، منها قوله تعالى: {الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار} (آل عمران: ١٩١)، والتقدير: (يقولون: ربنا ما خلقت هذا باطلاً).

ومثله في قول الله تعالى: {ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون} (الأنعام: ٩٣)، والتقدير: (والملائكة باسطو أيديهم يقولون: أخرجوا أنفسكم).

ومثله في قول الله تعالى: {يوم تبيض وجوهٌ وتسود وجوهٌ فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون} (آل عمران: ١٠٦)، والتقدير: (فأما الذين اسودت وجوههم فيقال لهم: أكفرتم بعد إيمانكم).

ومثله أيضاً في قوله تعالى: {قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً (٧٨) ما أصابك من حسنةٍ فمن الله وما أصابك من سيئةٍ فمن نفسك}، فقوله: {ما أصابك من حسنة} كلام مستأنف يفهم سامعه من سياقه أنه غير داخل في أمر الله لرسوله أن يقوله للمشركين {قل}، بل هو إخبار من الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -.


(١) جامع البيان (٩/ ٤٦٩).

(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هذه الصفحة مما زاده المؤلف في هذه النسخة الإلكترونية، وليس بالمطبوع

<<  <   >  >>