للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانياً: أحداث تشهد بوحي القرآن:

إن آيات القرآن لم تعاتب النبي - صلى الله عليه وسلم - فحسب، بل جاءت أحياناً على خلاف ما يحبه - صلى الله عليه وسلم - ويهواه، ومن ذلك أنه لما توفي عبد الله بن أُبي كبير المنافقين، كفنه النبي - صلى الله عليه وسلم - في ثوبه، وأراد أن يستغفر له ويصلي عليه، فقال له عمر - رضي الله عنه -: أتصلي عليه وقد نهاك ربك؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: «إنما خيرني ربي فقال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ} (التوبة: ٨٠)، وسأزيده على السبعين».

لقد كان - صلى الله عليه وسلم - حريصاً على أن تدرك رحمته كل أحد، فأنزل الله تعالى عليه: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ} (التوبة: ٨٤)، فترك الصلاة عليهم (١).

ولما حضرت الوفاة عمه أبا طالب؛ دخل عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وعنده أبو جهل فقال: «أي عم، قل: لا إله إلا الله؛ كلمة أحاج لك بها عند الله» فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب ترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخر شيء كلمهم به: على ملة عبد المطلب.

فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - متحسراً على وفاة عمه على غير الإسلام: «لأستغفرن لك؛ ما لم أُنه عنه» قال ذلك وفاء منه - صلى الله عليه وسلم - لعمه الذي كثيراً ما دافع عنه وآزره، فنزل قول الله على غير مراده: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} (التوبة: ١١٣)، ونزل: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} (القصص: ٥٦) (٢).

وصلى - صلى الله عليه وسلم - الفجر يوماً، فرفع رأسه من الركوع، وقال والأسى يعتصر قلبه


(١) أخرجه البخاري ح (٤٦٧٠)، ومسلم ح (٢٤٠٠).
(٢) أخرجه البخاري ح (١٣٦٠)، ومسلم ح (٢٤).

<<  <   >  >>