للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قبل أن يكون، وقد نص الأئمة على أن من أنكر العلم القديم فهو كافر" (١).

وهكذا تبين فساد هذا القول وبطلانه بالدليل والبرهان.

لكن العجب في هذه الأبطولة صدورها ممن في كتبه مثل هذه المعاني من غير أن يستنكرها، فقد جاء في سفر التكوين أن الله قال لإبراهيم: " لا تمد يدك إلى الغلام، ولا تفعل به شيئاً، لأني الآن علمت أنك خائف الله، فلم تمسك ابنك وحيدك عني" (التكوين ٢٢/ ١٢)، ومثله في سفر التثنية "وتتذكر كل الطريق التي فيها سار بك الرب إلهك هذه الأربعين سنة في القفر؛ لكي يُذلَّك ويجربك، ليعرف ما في قلبك؛ أتحفظ وصاياه أم لا؟ " (التثنية ٨/ ٢)، أفما كان أولى بهم أن يحملوا نصوص القرآن على المعاني التي يحملون عليها ما جاء في كتبهم؟ لكنهم قوم مبطلون.

سابعاً: هل شكّ القرآن في عدد قوم يونس عليه السلام؟

قالوا: شك القرآن في عدد قوم يونس حين قال: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} (الصافات: ١٤٧)، وهذا الشك - الذي يفيده حرف (أو) - يمنع نسبة القرآن إلى الله العليم الذي لا يخفى عليه عدد قوم يونس ولا غيرهم.

والجواب: الله بكل شيء عليم، ولا يعزب عن علمه شيء في الأرض ولا في السماء، وإنما جهل المستشكل لهذه الآية لغة العرب، ذلك أن (أو) في لغة العرب تأتي على معاني (٢)، فمنها ما هو للشك، كقولنا: جاء محمد أو زيد، ومنها ما يفيد التخيير، كقولنا: تعال اليوم أو غداً، ومنها ما يأتي بمعنى (و) أو (بل)، وهما معنيان متقاربان، وهو موضع الشاهد، ويلزمنا فيه بعض التفصيل.


(١) درء تعارض العقل مع النقل، ابن تيمية (٥/ ١٧٩).
(٢) انظر: مختار الصحاح، الرازي (١/ ٢٠)، والجنى الداني في حروف المعاني، ابن أُمّ قَاسِم المرادي، ص (٢٢٧ - ٢٣٠)، وشرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب، محمد الجوجري (٢/ ٨٠٨).

<<  <   >  >>