للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومثله قول الله تعالى: {وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (آل عمران: ١٥٤)، فهو عليم بضمائرهم، واختباره لهم ليس لزيادة علمه تبارك وتعالى، بل ليتحقق ما علمه بفعل العباد، فيجازيهم بموجب هذا العلم، أي بموجب علمِه بما عملوا.

وقد سمى العلماء هذا العلم "علم المشاهدة"، أي مشاهدة أو رؤية ما علمه الله أزلاً، ثم تحقق فرآه، ومن المعلوم أن الرؤية والعلم يترادفان في بعض الإطلاقات، كما في قوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} (المجادلة: ٧)، ومعناه: ألم تعلم، لذا قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: {لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ} (الجن: ٢٨): "المعنى: ليعلم الله ذلك علم مشاهدة كما علمه غيباً" (١).

وفي شرح قوله: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ} (محمد: ٣١) يقول ابن الجوزي: "العلم الذي هو علم وجود، وبه يقع الجزاء" (٢).

وقال ابن تيمية: "عِلم الرب تبارك وتعالى لا يجوز أن يكون مستفاداً من شيء من الموجودات، فإن علمه من لوازم ذاته؛ فعلمُ العبد يفتقر إلى سبب يحدثه وإلى المعلوم الذي هو الرب تعالى أو بعض مخلوقاته، وعلم الرب لازم له من جهة أن نفسه مستلزمة للعلم والمعلوم: إما نفسه المقدسة وإما معلوماته التي علمها قبل خلقها ... ".

ثم ذكر بعضاً من الآيات من جنس ما أورده الطاعنون في القرآن اليوم، وعقب بالقول: "هذا مع اتفاق سلف الأمة وأئمتها على أن الله عالم بما سيكون


(١) الجامع لأحكام القرآن، القرطبي (١٩/ ٣١).
(٢) زاد المسير، ابن الجوزي (٧/ ٤١١).

<<  <   >  >>