للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر]

ولحق النبي - صلى الله عليه وسلم - بالرفيق الأعلى قبل أن يجمع هذا المكتوب بين يديه في مصحف واحد، كما نقل إلينا كاتب الوحي زيد بن ثابت بقوله: (قبض النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكن القرآن جمع في شيء) (١).

وبعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بدأت حروب المرتدين، وكان أشدها معركة اليمامة التي قتل فيها قرابة الألف من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكثير منهم من القراء وحفظة القرآن، فاقترح عمر بن الخطاب على الخليفة أبي بكر الصديق جمع القرآن في مصحف واحد، خشية ضياعه بوفاة المزيد من القراء، ووافق الخليفة على المقترح بعد طول تردد، وانتدب لجنة للقيام بذلك العمل العظيم برئاسة كاتب الوحي وحافظه الشاب زيد بن ثابت - رضي الله عنه -، وإشراف عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -.

يقول زيد: فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال، حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع أحد غيره: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم} (التوبة: ١٢٨) إلى آخرهما.

وكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حتى توفاه الله، ثم عند حفصة بنت عمر (٢).

وتبين لنا رواية ابن أبي داود المنهج الذي اتبعه زيد في الجمع، إذ لم يعتمد محفوظاته ومحفوظات الصحابة، بل بحث عن المكتوب بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، واشترط لقبوله أن يوثق بشهادة شاهدين يشهدان بكتابته من إملاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، يقول يحيى بن


(١) أخرجه الدير عاقولي بإسناده إلى زيد بن حارثة في فوائده، كما نقل ذلك السيوطي في الإتقان في علوم القرآن (١/ ١٦٤).
(٢) أخرجه البخاري ح (٤٦٧٩).

<<  <   >  >>