للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خامساً: شهادة المرأة

قالوا: جعل القرآن شهادة المرأة بنصف شهادة الرجل في قوله: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} (البقرة: ٢٨٢)، فزعموا أن في ذلك انتقاصاً للمرأة، واستهانة بها.

والجواب: الأمر الوارد في الآية ليس موجهاً إلى القاضي والحاكم، كما يظن الكثيرون، إنما هو لصاحب المال الذي يداين آخر، فأمره الله بكتابة الدَيْن لحفظه؛ فإن عجز عن ذلك، فليستشهد عليه شهيدين من الرجال، أو رجلاً وامرأتين، حتى لا يضيع حقه بنسيان المرأة الواحدة لمثل هذا الأمر، الذي لا تضبطه النساء عادة.

وقد عللت الآية السبب الذي لأجله طلب الله من صاحب الدين الاستيثاق لماله بشهادة امرأتين أو رجل واحد {أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} (البقرة: ٢٨٢)، أي خوف نسيانها فحسب، لأن المسائل المالية مما لا تضبطه النساء ولا تعنى به عادة. وضلالها وخطؤها ينشأ من أسباب مادية بحتة، لعل أهمها قلة خبرة المرأة بموضوع التعاقد، مما قد يجعلها غير حافظة لكل دقائقه وملابساته.

لكن هذا لا يعني أن شهادة المرأة في المحاكم والقضاء بنصف شهادة الرجل، فالقاضي يقضي بما يتيسر له من الأدلة، عملاً بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه» (١)، وقد يقضي القاضي بشهادة رجل واحد أو بشهادة امرأة واحدة، أو بأقل من ذلك، كما يوضحه ابن القيم بقوله: "إن البينة في الشرع اسم لما يبين الحق ويظهره، وهي تارة تكون أربعة شهود، وتارة ثلاثة،


(١) أخرجه الترمذي ح (١٣٤١).

<<  <   >  >>