للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالنص في بينة المفلس، وتارة شاهدين، وشاهد واحد، وامرأة واحدة، وتكون نُكولاً [امتناعاً عن اليمين] .. فقوله - صلى الله عليه وسلم -: «البينة على المدعي»، أي عليه أن يظهر ما يبين صحة دعواه، فإذا ظهر صدقه بطريق من الطرق حُكم له" (١).

ويقول وهو يرد هذه الشبهة: "فإن قيل: فظاهر القرآن يدل على أن الشاهد والمرأتين بدل عن الشاهدين، قيل: القرآن لا يدل على ذلك، فإن هذا أمر لأصحاب الحقوق بما يحفظون به حقوقهم، فهو سبحانه أرشدهم إلى أقوى الطرق، فإن لم يقدروا على أقواها انتقلوا إلى ما دونها .. وهو سبحانه لم يذكر ما يحكم به الحاكم، وإنما أرشدنا إلى ما يُحفظ به الحق، وطرق الحكم أوسع من الطرق التي تُحفظ بها الحقوق" (٢).

ويقول مبيناً علة التمييز بين شهادة الرجل والمرأة: "والمرأة العدل كالرجل في الصدق والأمانة والديانة إلا أنها لما خيف عليها السهو والنسيان قويت بمثلها، وذلك قد يجعلها أقوى من الرجل الواحد أو مثله، ولا ريب أن الظن المستفاد من شهادة مثل أم الدرداء وأم عطية أقوى من الظن المستفاد من رجل واحد دونهما ودون أمثالهما" (٣).

ومما يشهد لصحة هذا الفهم أن مجمل الشهادات تتساوى فيها شهادة الذكر والأنثى، ففي شهادات اللعان بين الأزواج تتساوى شهادة الرجل وزوجته، فشهاداتها الأربع في اللعان تعدل شهادات زوجها الأربع، وذلك مقرر في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِالله إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ الله عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ


(١) الطرق الحكمية، ابن القيم، ص (٣٤).
(٢) الطرق الحكمية، ابن القيم، ص (٢١٩).
(٣) المصدر السابق، ص (٢١٩).

<<  <   >  >>