قالوا: القرآن ليس كلاماً إلهياً، بل هو من تأليف محمد [- صلى الله عليه وسلم -]، وقد نقله عن مصادر مختلفة:(الكتاب المقدس - الراهب بَحيرا - ورقة بن نوفل - شعر أمية بن أبي الصلت - شعر امرئ القيس)، وهذا يدل على أنه لم يوحَ إليه، لأن النبي الموحى إليه لا ينقل عن المصادر البشرية أو المصادر القديمة (أي الكتاب المقدس).
والجواب: أن دعوى اقتباس القرآن عن السابقين دعوى قديمة جديدة، قديمة في مضمونها، جديدة في مدعيها، فالمشركون أعياهم زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يأتوا بمثل علوم القرآن وأخباره، فاتهموا النبي - صلى الله عليه وسلم - باقتباسها من أساطير الأولين {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ}(النحل: ٢٤)، {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}(الفرقان: ٥)، وقالوا: تعلم القرآنَ من غلام نصراني رومي اسمه جبرا، وكان غلاماً لعامر بن الحضرمي، وكان يعمل حداداً بمكة:{إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا}(الفرقان: ٤)، وردَّ عليهم القرآن فريتهم بما أسكتهم ودحض باطلهم:{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ}(النحل: ١٠٣).
وهذه الدعوى القديمة جديدة في تحديد أسماء المصادر المزعومة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقريش اتهمته - صلى الله عليه وسلم - بالتعلم من حداد رومي، بينما الطاعنون اليوم زعموا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تعلم القرآن من الراهب النسطوري النصراني بَحيرا حين لقيه في بصرى الشام عندما زارها غلاماً مع عمه أبي طالب، كما زعموا تعلمه - صلى الله عليه وسلم - من ورقة بن نوفل الأسدي القرشي، ابن عم أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، وهو راهب متنصر، وهذان [بَحيرا وورقة] لم يخطر في بال قريش ولا يهود المدينة اسم واحد منهم في طعنهم في نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - وإلهية كتابه.