للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويدل عليه أيضاً قوله: {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ}، فقوله {مَا} يبين أن المتحدث عنه مما لا يعقل، وهو الأصنام، ولو كان المتحدث عنه الشيطان لقال: (أيشركون من لا يخلق) (١).

ويدل على صحة هذا التأويل أيضاً أن آدم في حديث الحشر يعتذر عن الشفاعة يوم القيامة متذرعاً بذكر ذنبه الأكبر، فيقول: «ربي غضب غضباً لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، ونهاني عن الشجرة فعصيته، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح» (٢)، فلو كان آدم وقع في الشرك لذكره في هذا الموطن، فهو أعظم من الأكل من الشجرة، وهو أدعى للاعتذار عنه في موطن الخوف والإقرار والبراءة من الذنب، ومحال أن يعتذر آدم عن الصغير ويغفل الكبير، فدل ذلك كله على براءة آدم من الوقوع في الشرك.

ثانياً: هل شك إبراهيم عليه السلام؟

قالوا: القرآن أساء إلى أبي الأنبياء إبراهيم الخليل، حين اتهمه بالشك في قدرة الله تعالى على إحياء الموتى، {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (البقرة: ٢٦٠).

كما نقل عنه أنه قال بربوبية الشمس والقمر: {فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ} (الأنعام: ٧٧ - ٧٨).


(١) انظر: تفسير مفاتيح الغيب، الرازي (١٥/ ٨٦)، ويجوز أن تستخدم (ما) للعاقل، لكن ما سقته هو الأغلب عند العرب.
(٢) أخرجه البخاري ح (٣٣٤٠).

<<  <   >  >>