للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والجواب: أن إبراهيم عليه السلام - حسب القرآن - هو المثال الأعلى للمؤمنين، فقد اصطفاه الله {إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} (آل عمران: ٣٣)، وأمر جل وعزَّ بالتزام دينه {قُلْ صَدَقَ الله فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (آل عمران: ٩٥)، فدينه أحسن الأديان، وهو خليل الله {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ الله إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} (النساء: ١٢٥)، كما أمر القرآن بالتأسي به {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِالله وَحْدَهُ} (الممتحنة: ٤)، ففي هذه الآيات وغيرها من بيان فضل إبراهيم الخليل ما يقطع قول كل خطيب.

وأما الشك في الإيمان فهو منفي عن إبراهيم الخليل - صلى الله عليه وسلم -، بدليل قوله تعالى: {قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} (البقرة: ٢٦٠)، فقد آمن عليه الصلاة والسلام بقدرة الله على الإحياء، وانعقد قلبه على ذلك، وسؤاله لرؤية عملية الخلق فعل حسن أراد أن يترقى به في معارج الإيمان؛ بالانتقال من حال علم اليقين، وهي حالة ذهنية متيقنة إلى حال عين اليقين، أي مشاهدته، فسؤاله طلب ليقين بعد يقين.

وقد نفى - صلى الله عليه وسلم - الشك عن إبراهيم بقوله: «نحن أحق بالشك من إبراهيم» (١)، أي أنه منزه عنه كتنزيه النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه.

وأما قول الخليل عن الشمس والقمر أنها ربه؛ فكان من باب تبكيت الخصم وإقامة الحجة عليهم، فقد يقول المجادل ما لا يعتقده في إقامة الحجة والبرهان على مجادله ومناظره، قال الرازي: "هذه المباحثة إنما جرت مع قومه لأجل أن


(١) أخرجه البخاري ح (٣٢٧٢)، ومسلم ح (١٥١).

<<  <   >  >>