للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سادساً: الجنة والخمر

قالوا: إذا كان الله لا يجعل المحرم جزاء للمؤمنين، فما باله جعل الخمر جزاء لهم؟!

والجواب: حرم الله الخمر لما فيها من تعطيل لموهبة العقل التي منحها الله للإنسان، والتي ميزه بها عن الحيوان، فقد بعث الله الأنبياء وأنزل الشرائع لحراسة هذا المقصد النبيل، فحرَّم قليل الخمر وكثيرها «ما أسكر كثيره فقليله حرام» (١)، ولعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخمر كل مساهم في شيوع فسادها، يقول أنس - رضي الله عنه -: «لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخمر عشرة: عاصرها ومعتصرها وشاربها، وحاملها والمحمولة إليه، وساقيها وبائعها وآكل ثمنها، والمشتري لها والمشتراة له» (٢).

فإذا عرفت علة التحريم لخمر الدنيا؛ عرف علة كونها حلالاً بل جزاء للمؤمنين في الآخرة، فخمر الجنة ليس فيها واحدة من المزريات الموجودة في خمر الدنيا، وكما قال ابن عباس رضي الله عنهما: (ليس في الجنة شيء يشبه ما في الدنيا إلا الأسماء) (٣).

ولقد وصف الله خمر الجنة بأحسن الوصف، ونزهها عما يعتري خمر الدنيا من الفساد، فلئن كانت خمر الدنيا مما يستقبح طعمه؛ فإن خمر الجنة لذة للشاربين: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى} (محمد: ١٥).

ولئن كانت خمر الدنيا المحرمة تذهب العقل؛ فإن خمر الجنة ليست كذلك:


(١) أخرجه الترمذي ح (١٨٦٥)، والنسائي ح (٥٦٠٧)، وأبو داود ح (٣٦٨١)، وابن ماجه ح (٣٣٩٣).
(٢) أخرجه الترمذي ح (١٢٩٥)، وابن ماجه ح (٣٣٨١)، وأحمد ح (٤٧٧٢).
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (١/ ٦٦).

<<  <   >  >>