للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} (الصافات: ٤٥ - ٤٦)، فاختلاف الأحكام لاختلاف الخواص والصفات.

ولئن كانت خمر الدنيا تصدع رؤوس أصحابها وتمرضهم؛ فإن خمر الجنة منزهة عن ذلك، فالولدان المخلدون يطوفون عليهم {بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ} (الواقعة: ١٨ - ١٩).

قال الطبري: " لا في هذه الخمر غول، وهو أن تغتال عقولهم، يقول: لا تذهب هذه الخمر بعقول شاربيها كما تذهب بها خمور أهل الدنيا إذا شربوها فأكثروا منها، كما قال الشاعر:

وما زالت الكأس تغتالنا ... وتذهب بالأول الأول" (١)

وأكد الله هذه الخاصية لخمر الجنة بقوله: {وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ} (الصافات: ٤٧)، قال الطبري: "من الإنزاف بمعنى: ذهاب العقل من السكر، ومنه قول الأبيرد:

لعمري لئن أنزفتموا أو صحوتم ... لبئس الندامى كنتم آل أبجرا " (٢)

وهكذا يستبين للمنصف خطأ وتجني أصحاب الفهوم المعوجة أو المنكوسة على القرآن الكريم الذي أرسى فضائل الأخلاق ومعالي الآداب، وأقام حضارة ذخرت بالقيم التي لم تعرفها من قبل ولا من بعد أمة من أمم العالمين.


(١) جامع البيان، الطبري (٢١/ ٣٧).
(٢) المصدر السابق (٢١/ ٤٠).

<<  <   >  >>